الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله

قال تعالى:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله

قال تعالى:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي

هذا المنتدي يخص /الدعوة إلي الله
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابه*البوابه*  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مدير المنتدي

ادارة المنتدى


 ادارة المنتدى
مدير المنتدي


عدد المساهمات : 339
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 30/11/2008
العمر : 59
الموقع : https://ashrfali.yoo7.com/

 التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم Empty
مُساهمةموضوع: التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم    التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم Emptyالأربعاء يناير 23, 2013 3:05 pm

التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم

وَأما تِلْكَ الحكايات المتضمنة لإصابتهم فِي بعض الْأَحْوَال فليسبب بِأَكْثَرَ من الحكايات عَن أَصْحَاب الْكَشْف والفأل وزجر والطائر وَالضَّرْب بالحصى والطرق والعيافة وَالْكهَانَة والخط والحدس وَغَيرهَا من عُلُوم الْجَاهِلِيَّة وأعنى بالجاهلية كل من لَيْسَ من أَتبَاع الرُّسُل كالفلاسفة والمنجمين والكهان وجاهلية الْعَرَب الَّذين كَانُوا قبل النَّبِي فَأن هَذِه كَانَت علوما لقوم لَيْسَ لَهُم علم بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَمن هَؤُلَاءِ من يزْعم أَنه يَأْخُذ من الْحُرُوف علم الْمَكَان وَلَهُم فِي ذَلِك تصانيف وَكتب حَتَّى يَقُولُونَ إِذا أردْت معرفَة مَا فِي رُؤْيا السَّائِل من خير أَو شَرّ فَخذ أول حرف من كَلَامه الَّذِي يكلمك بِهِ وَفسّر رُؤْيَاهُ على معنى ذَلِك الْحَرْف فَإِن كَانَ أول مَا نطق بِهِ بَاء فرؤياه لِأَن الْبَاء من الْبَهَاء من الْخَيْر أَلا ترَاهَا فِي الْبر وَالْبركَة وبلوغ الآمال والبقاء والبشارة وَالْبَيَان وَالْبخْت فَإِذا كَانَ أول حرف من كَلَامه بَاء فَاعْلَم أَنه قد عاين مَا أبهاه وبشره من الْخيرَات وَإِن كَانَ أول كَلَامه تَاء فقد بشر بالتمام والكمال وَإِن كَانَ ثاء فبشره بالأثاث وَالْمَتَاع لقَوْله تَعَالَى هم أحسن أثاثا ورئيا ثمَّ قَالُوا فَعَلَيْك بِهَذِهِ الأحرف الثَّلَاثَة فَلَيْسَ شَيْء يَخْلُو مِنْهَا ويجاوزها وَإِذا تَأَمَّلت جهل هَؤُلَاءِ رايته شَدِيدا فَكيف حكمُوا على الْبَاء بالبهاء وَالْبركَة دون الْبَأْس والبغى والبين وَالْبَلَاء والبوار والبعد وَكَيف حكمُوا على الثَّاء بالأثاث دون الثّقل والثقل والشلب وَنَحْوه وَكَذَلِكَ استدلاله بِأول مَا يَقع بَصَره عَلَيْهِ كَمَا حكى عَن أبي معشر أَنه وقف هُوَ وَصَاحب لَهُ على وَاحِد من هَؤُلَاءِ وَكَانَا سائرين فِي خلاص مَحْبُوس فَسَأَلَاهُ فَقَالَ أَنْتُمَا فِي طلب خلاص مسجون فعجبا من ذَلِك فَقَالَ لَهُ أَبُو معشر هَل يخلص أم لَا فَقَالَا تذهبان تلتقيانه قد خلص فوجدا الْأَمر كَمَا قَالَ فاستدعاه أَبُو معشر وأكرمه وتلطف لَهُ فِي السُّؤَال عَن كَيْفيَّة علم ذَلِك فَقَالَ نَحن نَأْخُذ الفأل بِالْعينِ وَالنَّظَر فَينْظر أَحَدنَا إِلَى الأَرْض ثمَّ يرفع رَأسه فَأول شَيْء يَقع نظره عَلَيْهِ يكون الحكم بِهِ فَلَمَّا سألتماني كَانَ أول مَا رَأَيْت مَاء فِي قربَة فَقلت
هَذَا مَحْبُوس ثمَّ لما سألتماني فِي الثَّانِيَة نظرت فَإِذا هُوَ أفرغ من الْقرْبَة فَقلت يخلص ويصيب تَارَة ويخطىء تَارَة
وَمن هَذَا أَخذ بَعضهم الْجَواب عَن التفاؤل بِالْأَيَّامِ فَإِذا رأى أحد رُؤْيا مثلا يَوْم أحد أَو ابْتَدَأَ فِيهِ امرا قَالَ حِدة وَقُوَّة وَإِن كَانَ يَوْم الْجُمُعَة قَالَ اجْتِمَاع والفة وَإِن كَانَ يَوْم سبت قَالَ قطع وَفرْقَة
وَمن هَذَا اسْتِدْلَال الْمَسْئُول بِالْمَكَانِ الَّذِي يضع السَّائِل يَده عَلَيْهِ من جسده وَقت السُّؤَال فَإِن وضع يَده على رَأسه فَهُوَ رئيسه وكبيره وَالرّجلَيْنِ قوامه وَالْأنف بِنَاء مُرْتَفع أَو تل أَو نَحوه والفم بِئْر عذبة اللِّحْيَة أَشجَار وزروع وعَلى هَذَا النَّحْو من ذَلِك مَا حكى عَن المهدى أَنه رأى رُؤْيا وأنسيها فَأصْبح مغتما بهَا فَدلَّ على رجل كَانَ يعرف الزّجر والفأل وَكَانَ حاذقا بِهِ واسْمه خويلد فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أخبرهُ بِالَّذِي أَرَادَهُ لَهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب الزّجر والفأل ينظر إِلَى الْحَرَكَة وأخطار النَّاس فَغَضب الْمهْدي وَقَالَ سُبْحَانَ الله أحدكُم يذكر بِعلم وَلَا يدْرِي مَا هُوَ وَمسح يَده على رَأسه وَوَجهه وَضرب بهَا على فَخذه فَقَالَ لَهُ أخْبرك برؤياك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَات قَالَ رَأَيْت كَأَنَّك صعدت جبلا فَقَالَ الْمهْدي لله ابوك يَا سحار صدقت قَالَ مَا أَنا بساحر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ غير أَنَّك مسحت بِيَدِك على رَأسك فزجرت لَك وَعلمت أَن الرَّأْس لَيْسَ فَوْقه أحد إِلَّا السَّمَاء فَأَوَّلْته بِالْجَبَلِ ثمَّ نزلت بِيَدِك إِلَى جبهتك فزجرت لَك بنزولك إِلَى أَرض ملساء فِيهَا عينان مالحتان ثمَّ انحدرت إِلَى سفح الْجَبَل فَلَقِيت رجلا من فخذك قُرَيْش لِأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ مسح بعد ذَلِك بِيَدِهِ على فَخذه فَعلمت أَن الرجل الَّذِي لقِيه من قرَابَته قَالَ صدقت وَأمر لَهُ بِمَال وَأمر أَن لَا يحجب عَنهُ
وَمن ذَلِك هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الطير السانح والبارح والقعيد والناطح وأصل هَذَا أَنهم كَانُوا يزجرون الطير والوحش ويثيرونها فَمَا تيامن مِنْهَا وَأخذ ذَات الْيَمين سموهُ سانحا وَمَا تياسر مِنْهَا سموهُ بارحا وَمَا اسْتَقْبَلَهُمْ مِنْهَا فَهُوَ الناطح وَمَا جَاءَهُم من خَلفهم سموهُ القعيد فَمن الْعَرَب من يتشاءم بالبارح ويتبرك بالسانح وَمِنْهُم من يرى خلاف ذَلِك قَالَ الْمَدَائِنِي سَأَلت رؤبة بن العجاج مَا السانح قَالَ مَا ولاك ميامنه قَالَ قلت فَمَا البارح قَالَ مَا ولاك مياسره قَالَ وَالَّذِي يَجِيء من قدامك فَهُوَ الناطح والنطيح وَالَّذِي يجىء من خَلفك فَهُوَ الْقَاعِد والقعيد وَقَالَ الْمفضل الضَّبِّيّ البارح مَا يَأْتِيك عَن الْيَمين يُرِيد يسارك والسانح مَا يَأْتِيك عَن الْيَسَار فيمر على الْيَمين وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي مراتبها ومذاهبها لِأَنَّهَا خواطر وحدوس وتخمينات لَا أصل لَهَا فَمن تبرك بِشَيْء مدحه وَمن تشاءم بِهِ ذمه وَمن اشْتهر بِإِحْسَان الزّجر عِنْدهم ووجوهه حَتَّى قَصده النَّاس بالسؤال عَن حوادثهم وَمَا أَملوهُ من أَعْمَالهم سموهُ عائفا وعرافا وَقد كَانَ فِي الْعَرَب جمَاعَة يعْرفُونَ بذلك كعراف الْيَمَامَة والأبلق الأسيدى وَالْأَجْلَح وَعُرْوَة بن يزِيد وَغَيرهم فَكَانُوا يحكمون بذلك ويعملون بِهِ ويتقدمون ويتأخرون فِي جَمِيع مَا يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ ويتصرفون فِي حَال الْأَمْن وَالْخَوْف وَالسعَة والضيق وَالْحَرب وَالسّلم فان أنجحوا فِيمَا يتفاءلون بِهِ مدحوه وداوموا عَلَيْهِ وَإِن عطبوا فِيهِ تَرَكُوهُ وذموه وَمِنْهُم من أنكرها بعقله وأبطل تأثيرها بنظره وذم من اغتربها وَاعْتمد عَلَيْهَا وتوهم تأثيرها فَمنهمْ الرقشى حَيْثُ يَقُول:
وَلَقَد غَدَوْت وَكنت لَا ... أغدو عل واق وحاتم
فَإِذا الاشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
وكذاك لَا خير وَلَا ... شَرّ على أحد بدائم
لَا يمنعنك من بغا ... ء الْخَيْر تعقاد التمائم
قد خطّ ذَلِك فِي السطو ... ر الأوليات القدائم
وَقَالَ جهم الْهُذلِيّ:
ألم تَرَ أَن العائفين وَإِن جرت ... لَك الطير عَمَّا فِي غذ عُمْيَان
يظنان ظنا مرّة يخطيانه ... وَأُخْرَى على بعض الَّذِي يصفان
قضى الله أَن لَا يعلم الْغَيْب غَيره ... فَفِي أَي أَمر الله يمتريان
وَقَالَ آخر:
وَمَا أَنا مِمَّن يزْجر الطير همه ... أطار غراب أم تعرض ثَعْلَب
وَلَا السانحات البارحات عَشِيَّة ... أَمر سليم الْقرن أم مر أعضب
وَقَالَ آخر يمدح منكرها:
وَلَيْسَ بهياب إِذا ش ... لَهُ يَقُول عداني الْيَوْم واق وحاتم
وَلكنه يمْضِي على ذَاك مقدما ... إِذا حاد عَن تِلْكَ الهنات الختارم
يَعْنِي بالواق الصرد وبالحاتم الْغُرَاب سموهُ حاتما لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدهم يحتم بالفراق والختارم الْعَاجِز الضَّعِيف الرَّأْي المتطير
وَقد شفى النَّبِي أمته فِي الطَّيرَة حَيْثُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ ذَاك شَيْء يجده أحدكُم فَلَا يصدنه وَفِي أثر آخر إِذا تطيرت فَلَا ترجع أَي أمض لما قصدت لَهُ وَلَا يصدنك عَنهُ الطَّيرَة وَاعْلَم أَن التطير إِنَّمَا يضر من أشْفق مِنْهُ وَخَافَ وَأما من لم يبال بِهِ وَلم يعبأ بِهِ شَيْئا لم يضرّهُ الْبَتَّةَ وَلَا سِيمَا أَن قَالَ عِنْد رُؤْيَة مَا يتطير بِهِ أَو سَمَاعه اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْت وَلَا يذهب بالسيئات إِلَّا أَنْت وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك فالطيرة بَاب من الشّرك والقاء الشَّيْطَان وتخويفه ووسوسته يكبر ويعظم شَأْنهَا على من اتبعها نَفسه واشتغل بهَا وَأكْثر الْعِنَايَة بهَا وَتذهب وتضمحل عَمَّن لم يلْتَفت إِلَيْهَا وَلَا القى إِلَيْهَا باله وَلَا شغل بهَا نَفسه وفكره وَاعْلَم أَن من كَانَ معتنيا بهَا قَائِلا بهَا كَانَت إِلَيْهِ أسْرع من السَّيْل الى منحدر فتحت لَهُأَبْوَاب الوساوس فِيمَا يسمعهُ وَيَرَاهُ ويعطاه وَيفتح لَهُ الشَّيْطَان فِيهَا من المناسبات الْبَعِيدَة والقريبة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى مَا يفْسد عَلَيْهِ دينه وينكد عَلَيْهِ عيشه فَإِذا سمع سفر جلا أَو أهْدى إِلَيْهِ تطير بِهِ وَقَالَ سفر وجلاء وَإِذا رأى ياسمينا أَو سمع اسْمه تطير بِهِ وَقَالَ يأس ومين وَإِذا رأى سوسنة أَو سَمعهَا قَالَ سوء يبْقى سنه وَإِذا خرج من دَاره فَاسْتَقْبلهُ أَعور أَو أشل أَو أعمى أَو صَاحب آفَة تطير بِهِ وتشاءم بيومه ويحكى عَن بعض الْوُلَاة أَنه خرج فِي بعض الْأَيَّام لبَعض مهماته فَاسْتَقْبلهُ رجل أَعور فتطير بِهِ وَأمر بِهِ إِلَى الْحَبْس فَلَمَّا رَجَعَ من مهمه وَلم يلق شرا أَمر باطلاقه فَقَالَ لَهُ سَأَلتك بِاللَّه مَا كَانَ جرمى الذى حبستنى لأَجله فَقَالَ لَهُ الوالى لم يكن لَك عندنَا جرم وَلَكِن تطيرت بك لما رَأَيْتُك فَقَالَ فَمَا أصبت فِي يَوْمك برؤيتى فَقَالَ مِمَّا لم ألق إِلَّا خيرا فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير أَنا خرجت من منزلى فرايتك فَلَقِيت فِي يومى الشَّرّ وَالْحَبْس وَأَنت رأيتنى فَلَقِيت فِي يَوْمك الْخَيْر وَالسُّرُور فَمن أشأمنا والطيرة بِمن كَانَت فاستحيا مِنْهُ الوالى وَوَصله
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجى لم أر أَشد تطيرا من ابْن الرومى الشَّاعِر وَكَانَ قد تجَاوز الْحَد فِي ذَلِك فعاتبته يَوْمًا على ذَلِك فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم الفأل لِسَان الزَّمَان والطيرة عنوان الْحدثَان وَهَذَا جَوَاب من استحكمت علته فعجز عَنْهَا وَهُوَ أَيْضا بِمَنْزِلَة من قد غلبته الوساوس فِي الطَّهَارَة فَلَا يلْتَفت إِلَى علم وَلَا إِلَى نَاصح وَهَذِه حَال من تقطعت بِهِ أَسبَاب التَّوَكُّل وتقلص عَنهُ لِبَاسه بل تعرى مِنْهُ وَمن كَانَ هَكَذَا فالبلايا إِلَيْهِ أسْرع والمصائب بِهِ أعلق والمحن لَهُ ألزم بِمَنْزِلَة صَاحب الدمل والقرحة الذى يهدى إِلَى قُرْحَته كل مؤذ وكل مصادم فَلَا يكَاد يصدم من جسده اَوْ يصاب غَيرهَا والمتطير مُتْعب الْقلب منكد الصَّدْر كاسف البال سيء الْخلق يتخيل من كل مَا يرَاهُ أَو يسمعهُ أَشد النَّاس خوفًا وأنكدهم عَيْشًا وأضيق النَّاس صَدرا وأحزنهم قلبا كثير الِاحْتِرَاز والمراعاة لما لَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ وَكم قد حرم نَفسه بذلك من حَظّ ومنعها من رزق وَقطع عَلَيْهَا من فَائِدَة وَيَكْفِيك من ذَلِك قصَّة النَّابِغَة مَعَ زِيَاد بن سيار الفزارى حِين تجهز إِلَى الْغَزْو فَلَمَّا أَرَادَ الرحيل نظر النَّابِغَة إِلَى جَرَادَة قد سَقَطت عَلَيْهِ فَقَالَ جَرَادَة تجرد وَذَات ألوان عَزِيز من خرج من هَذَا الْوَجْه وَنفذ زِيَاد لوجهه وَلم يتطير فَلَمَّا رَجَعَ زِيَاد سالما غانما أنشأ يَقُول 0
تخير طيرة فِيهَا زِيَاد ... ليخبره وَمَا فِيهَا خَبِير
أَقَامَ كَانَ لُقْمَان بن عَاد ... أَشَارَ لَهُ بِحِكْمَتِهِ مشير
تعلم أَنه لَا طير إِلَّا ... على متطير وَهُوَ الثبور
بلَى شىء يُوَافق بعض شَيْء ... أحيايينا وباطله كثير
وَلم يحك الله التطير إِلَّا عَن أَعدَاء الرُّسُل كَمَا قَالُوا لرسلهم انا تطيرنا بكم لَئِن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عَذَاب أَلِيم قَالُوا طائركم مَعكُمْ أئن ذكرْتُمْ بل أَنْتُم قوم مسرفون
وَكَذَلِكَ حكى الله سُبْحَانَهُ عَن قوم فِرْعَوْن فَقَالَ فَإِذا جَاءَتْهُم الْحَسَنَة قَالُوا لنا هَذِه وَأَن تصبهم سَيِّئَة يطيروا بمُوسَى وَمن مَعَه أَلا إِنَّمَا طائرهم عِنْد الله حَتَّى إِذا أَصَابَهُم الخصب وَالسعَة والعافية قَالُوا لنا هَذِه أى نَحن الجديرون الحقيقون بِهِ وَنحن أَهله وَإِن أَصَابَهُم بلَاء وضيق وقحط وَنَحْوه قَالُوا هَذَا بِسَبَب مُوسَى وَأَصْحَابه أصبْنَا بشؤمهم ونفض علينا غبارهم كَمَا يَقُوله المتطير لمن يتطير بِهِ فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن طائرهم عِنْده كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن أَعدَاء رَسُوله وَإِن تصبهم حَسَنَة يَقُولُوا هَذِه من عِنْد الله وَأَن تصبهم سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِه من عنْدك فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاضِع حكى فِيهَا التطير عَن أعدائه وَأجَاب سُبْحَانَهُ عَن تطيرهم بمُوسَى وَقَومه بِأَن طائرهم عِنْد الله لَا بِسَبَب مُوسَى وَأجَاب عَن تطير أَعدَاء رَسُول الله بقوله قل كل من عِنْد الله وَأجَاب عَن الرُّسُل بقوله إِلَّا طائركم مَعكُمْ وَأما قَوْله أَلا إِنَّمَا طائركم عِنْد الله فَقَالَ ابْن عَبَّاس طائرهم مَا قضى عَلَيْهِم وَقدر لَهُم وَفِي رِوَايَة شؤمهم عِنْد الله وَمن قبله أى إِنَّمَا جَاءَهُم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته وَرُسُله وَقَالَ أَيْضا ان الأزراق والأقدار تتبعكم وَهَذِه كَقَوْلِه تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج أى مَا يطير لَهُ من الْخَيْر وَالشَّر فَهُوَ لَازم لَهُ فِي عُنُقه وَالْعرب تَقول جرى لَهُ الطَّائِر بِكَذَا من الْخَيْر وَالشَّر قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الطَّائِر عِنْدهم الْحَظ وَهُوَ الذى تسميه الْعَامَّة البخت يَقُولُونَ هَذَا يطير لفُلَان أى يحصل لَهُ قلت وَمِنْه الحَدِيث فطار لنا عُثْمَان بن مَظْعُون أى أَصَابَنَا بِالْقُرْعَةِ لما اقترع الْأَنْصَار على نزُول الْمُهَاجِرين عَلَيْهِم وَفِي حَدِيث رويفع ابْن ثَابت حَتَّى أَن أَحَدنَا ليطير لَهُ النصل والريش وَالْآخر الْقدح أى يحصل لَهُ بِالشّركَةِ فِي الْغَنِيمَة وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه أَن الطَّائِر هَهُنَا هُوَ الْعَمَل قَالَه الْفراء وَهُوَ يتَضَمَّن الرَّد على نَفَاهُ الْقدر وَخص الْعُنُق بذلك من بَين سَائِر أَجزَاء الْبدن لِأَنَّهَا مَحل الطوق الَّذِي يطوقه الْإِنْسَان فِي عُنُقه فَلَا يَسْتَطِيع فكاكه وَمن هَذَا يُقَال إِثْم هَذَا فِي عُنُقك وَافْعل كَذَا واثمه فِي عنقِي وَالْعرب تَقول طوقها طوق الْحَمَامَة وَهَذَا ربقة فِي رقبته وَعَن الْحسن بن آدم لتنظر لَك صحيفَة إِذا بعثت قلدتها فِي عُنُقك فخصوا الْعُنُق بذلك لِأَنَّهُ مَوضِع القلادة والتميمة واستعمالهم التَّعَالِيق فِيهَا كثير كَمَا خصت الأيدى بِالذكر فِي نَحْو بِمَا كسبت أيدكم بِمَا قدمت يداك وَنَحْوه وَقيل الْمَعْنى أَن الشؤم الْعَظِيم هُوَ الَّذِي لَهُم عِنْد الله من عَذَاب النَّار وَهُوَ الَّذِي أَصَابَهُم فِي الدُّنْيَا وَقيل الْمَعْنى أَن سَبَب شؤمهم عِنْد الله وَهُوَ عَمَلهم الْمَكْتُوب عِنْده الَّذِي يجرى عَلَيْهِ مَا يسوؤهم ويعاقبون عَلَيْهِم بعد مَوْتهمْ بِمَا وعدهم الله وَلَا طَائِر أشأم من هَذَا وَقيل حظهم ونصيبهم وَهَذَا لَا يُنَاقض قَول الرُّسُل طائركم مَعكُمْ أى حظكم وَمَا نالكم من خير وَشر مَعكُمْ بِسَبَب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين لَيْسَ هُوَ من أجلنا وَلَا بسببنا بل ببغيكم وعدوانكم فطائر الباغى الظَّالِم مَعَه وَهُوَ عِنْد الله كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَن تصبهم سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِه من عنْدك قل كل من عِنْد الله فَمَا لهَؤُلَاء الْقَوْم لَا يكادون يفقهُونَ حَدِيثا وَلَو فقهوا اَوْ فَهموا لما تطيروا بِمَا جِئْت بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول مَا يقتضى الطَّيرَة فَإِنَّهُ كُله خير مَحْض لَا شَرّ فِيهِ وَصَلَاح لَا فَسَاد فِيهِ وَحكمه لَا عَبث فِيهَا وَرَحْمَة لاجور فِيهَا فَلَو كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم من أهل الْفَهم والعقول السليمة لم يتطيروا من هَذَا فَإِن الطَّيرَة إِنَّمَا تكون بِالشَّرِّ لَا بِالْخَيرِ الْمَحْض والمصلحة وَالْحكمَة وَالرَّحْمَة وَلَيْسَ فِيمَا أتيتهم بِهِ لَو فَهموا مَا يُوجب تطيرهم بل طائرهم مَعَهم بِسَبَب كفرهم وشركهم وبغيهم وَهُوَ عِنْد الله كَسَائِر حظوظهم وأنصبائهم الَّتِى يتناولوها مِنْهُ باعمالهم وكسبهم وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى طائركم مَعكُمْ أى رَاجع عَلَيْكُم فالطير الَّذِي حصل لكم إِنَّمَا يعود عَلَيْكُم وَهَذَا من بَاب الْقصاص فِي الْكَلَام مثل قَوْله فِي الحَدِيث أَخذنَا فالك من فِيك وَنَظِيره قَول النَّبِي إِذا سلم عَلَيْكُم أهل الْكتاب فَقولُوا وَعَلَيْكُم فعلى هَذَا معنى طائركم مَعكُمْ اى تصيبكم طيرتكم الَّتِى تطيرتم بهَا لأَنهم اعتقدوا الشؤم فِيهَا وَلَا شُؤْم فِيهَا الْبَتَّةَ فَقيل لَهُم الشؤم مِنْكُم وَهُوَ نَازل بكم فَتَأَمّله وَهَذَا يشبه قَوْله تَعَالَى وَقد مكروا مَكْرهمْ وَعند الله مَكْرهمْ وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لنزول مِنْهُ الْجبَال قيل جَزَاء مَكْرهمْ عِنْده فمكر بهم كَمَا مكا مكروا برسله ومكره تَعَالَى بهم إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب مَكْرهمْ فَهُوَ مَكْرهمْ عَاد عَلَيْهِم وكيدهم عَاد عَلَيْهِم فَهَكَذَا طيرتهم عَادَتْ عَلَيْهِم وحلت بهم وسمى جَزَاء الْمَكْر مكرا وَجَزَاء الكيد كيدا تَنْبِيها على أَن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل وَلما ذكر سُبْحَانَهُ أَن مَا أَصَابَهُم من حَسَنَة وسيئة أى نعْمَة ومحنة فَالْكل مِنْهُ تَعَالَى بِقَضَائِهِ وَقدره فكأنهم قَالُوا فَمَا بالك أَنْت تصبيك الْحَسَنَات والسيئات كَمَا تصيبنا فَذكر سُبْحَانَهُ أَن مَا أَصَابَهُ من حَسَنَة فَمن الله من بهَا عَلَيْهِ وأنعم بهَا عَلَيْهِ وَمَا أَصَابَهُ من سَيِّئَة فَمن نَفسه أى بِسَبَب من قبله أى لَا لنَقص مَا جَاءَ بِهِ وَلَا لشر فِيهِ وَلَا لشؤم يقتضى أَن تصيبه السَّيئَة بل بِسَبَب من نَفسه وَمن قبله وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى طائركم عِنْد الله بل أَنْتُم قوم تفتنون أَن طائرهم هَهُنَا هُوَ السَّبَب الَّذِي يجىء فِيهِ خَيرهمْ وشرهم فَهُوَ عِنْد الله وَحده وَهُوَ قدره وقسمه إِن شَاءَ رزقكم وعافاكم وَإِن شَاءَ حرمكم وابتلاكم وَمن هَذَا قَالُوا طَائِر الله لَا طَائِر كلبى قدر الله الْغَالِب الَّذِي يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ وَيصرف السَّيِّئَات وَمِنْه اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك وعَلى هَذَا فَالْمَعْنى بطائركم نصيبكم وحظكم الَّذِي يطيركم وَمن فسره بِالْعَمَلِ فَالْمَعْنى طائركم الَّذِي طَار عَنْكُم من أَعمالكُم بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فسر معنى قَوْله تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَأَنه مَا طَار عَنهُ من عمله أَو صَار لَازِما لَهُ مِمَّا قضى الله عَلَيْهِ وَقدر عَلَيْهِ وَكتب لَهُ من الرزق وَالْأَجَل والشقاوة والسعادة 0 فصل
وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي أَنه قَالَ فِي وصف السّبْعين ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب أَنهم الَّذين لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ زَاد مُسلم وَحده وَلَا يرقون فَسمِعت شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية يَقُول هَذِه الزِّيَادَة وهم من الراوى لم يقل النَّبِي وَلَا يرقون لِأَن الراقي محسن إِلَى أَخِيه وَقد قَالَ النَّبِي وَقد سُئِلَ عَن الرقي فَقَالَ من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن ينفع أَخَاهُ فلينفعه وَقَالَ لَا بَأْس بالرقي مالم يكن شركا وَالْفرق بَين الراقي والمسترقي أَن المسترقي سَائل مسْقط ملتفت إِلَى غير الله بِقَلْبِه والراقي محسن نَافِع
قلت وَالنَّبِيّ لَا يَجْعَل ترك الْإِحْسَان الْمَأْذُون فِيهِ سَببا للسبق إِلَى الْجنان وَهَذَا بِخِلَاف ترك الإسترقاء فَإِنَّهُ توكل على الله ورغبة عَن سُؤال غَيره ورضاء بِمَا قَضَاهُ وَهَذَا شَيْء وَهَذَا شَيْء وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي لَا عدوى وَلَا طيرة وَأحب الفال الصَّالح وَنَحْوه من حَدِيث انس وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون نفيا وَأَن يكون نهيا أى لَا تطيروا وَلَكِن قَوْله فِي الحَدِيث وَلَا عدوى وَلَا صفر وَلَا هَامة يدل على أَن المُرَاد النفى وَإِبْطَال هَذِه الْأُمُور الَّتِى كَانَت الْجَاهِلِيَّة تعانيها وَالنَّفْي فِي هَذَا أبلغ من النهى لِأَن النَّفْي يدل على بطلَان ذَلِك وَعدم تَأْثِيره والنهى إِنَّمَا يدل على الْمَنْع مِنْهُ وَقد روى ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث سُفْيَان عَن سَلمَة عَن عِيسَى بن عَاصِم عَن ذَر عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله الطَّيرَة شرك وَمَا منا وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل وَهَذِه اللَّفْظَة وَمَا منا إِلَى آخِره مدرجة فِي الحَدِيث لَيست من كَلَام النَّبِي كَذَلِك قَالَه بعض الْحفاظ وَهُوَ الصَّوَاب فَإِن الطَّيرَة نوع من الشّرك كَمَا هُوَ فِي أثر مَرْفُوع من ردته الطَّيرَة فقد قَارن الشّرك وَفِي أثر من أرجعته الطَّيرَة من حَاجَة فقد أشرك قَالُوا وَمَا كَفَّارَة ذَلِك قَالَ أَن يَقُول أحدكُم اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السلمى أَنه قَالَ يَا رَسُول الله وَمنا أنَاس يَتَطَيَّرُونَ فَقَالَ ذَلِك شَيْء يجده أحدكُم فِي نَفسه فَلَا يصدنه فَأخْبر أَن تأذية وتشاؤمه بالتطير إِنَّمَا هُوَ فِي نَفسه وعقيدته لافي المتطير بِهِ فوهمه وخوفه وإشراكه هُوَ الَّذِي يطيره ويصده لَا مَا رَآهُ وسَمعه فأوضح لأمته الْأَمر وَبَين لَهُم فَسَاد الطَّيرَة ليعلموا أَن الله سُبْحَانَهُ لم يَجْعَل لَهُم عَلَيْهَا عَلامَة وَلَا فِيهَا دلَالَة وَلَا نصبها سَببا لما يخافونه ويحذرونه لتطمئن قُلُوبهم ولتسكن نُفُوسهم إِلَى وحدانيتة تَعَالَى الَّتِى أرسل بهَا رسله وَأنزل بهَا كتبه وَخلق لأَجلهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَعمر الدَّاريْنِ الْجنَّة وَالنَّار فبسبب التَّوْحِيد وَمن أَجله جعل الْجنَّة دَار التَّوْحِيد وموجباته وحقوقه وَالنَّار دَار الشّرك وَلَو ازمه وموجباته فَقطع علق الشّرك من قُلُوبهم لِئَلَّا يبْقى فِيهَا علقَة مِنْهَا وَلَا يتلبسوا بِعَمَل من أَعمال أَهله الْبَتَّةَ
وَفِي الحَدِيث الْمَعْرُوف أَقُول على مكانتها قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي الْغَرِيب أَرَادَ لَا تزجروها وَلَا تلتفتوا إِلَيْهَا أقروها على موَاضعهَا الَّتِي جعلهَا الله لَهَا وَلَا تتعدوا ذَلِك إِلَى غَيره أَي أَنَّهَا لَا تضر وَلَا تَنْفَع وَقَالَ غَيره الْمَعْنى أقروها على أمكنتها فَإِنَّهُم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ أحدهم سفرا أَو امرا من الْأُمُور أثار الطير من أوكارها لينْظر أَي وَجه تسلك وَإِلَى نَاحيَة تطير فان خرجت ذَات الْيَمين خرج لسفره وَمضى لأَمره وَإِن أخذت ذَات الشمَال رَجَعَ وَلم يمض فَأَمرهمْ أَن يقروها فِي أمكنتها وأبطل فعلهم ذَلِك ونهاهم عَنهُ كَمَا أبطل الاستقسام بالأزلام
وَقَالَ ابْن جرير معنى ذَلِك أقرُّوا الطير الَّتِي تزجرونها فِي موَاضعهَا المتمكنة فِيهَا الَّتِي هِيَ لَهَا مُسْتَقر وامضوا لأموركم فان زجركم إِيَّاهَا غير مجد عَلَيْكُم نفعا وَلَا دَافع عَنْكُم ضَرَرا قَالَ هَؤُلَاءِ فَلَعَلَّ الرَّاوِي سمع أقرّ الطير فِي وكناتها بِالْوَاو وَلِأَن وكنات الطير عشها وَحَيْثُ تسْقط عَلَيْهِ من الشّجر وتأوى إِلَيْهِ وَفِي اثر آخر ثَلَاث من كن فِيهِ لم ينل الدَّرَجَات العلى من تكهن أَو استقسم أَو رَجَعَ من سفر من طيرة وَقد رفع هَذَا الحَدِيث فَمن استمسك بِعُرْوَة التَّوْحِيد الوثقى واعتصم بحبله المتين وتوكل على الله قطع بِأَحْسَن الطَّيرَة من قبل استقرارها وبادر خواطرها من قبل استمكانها قَالَ عِكْرِمَة كُنَّا جُلُوسًا عِنْد ابْن عَبَّاس فَمر طَائِر يَصِيح فَقَالَ رجل من الْقَوْم خير خير فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس لَا خير وَلَا شَرّ مبادرة بالإنكار عَلَيْهِ لِئَلَّا يعْتَقد لَهُ تَأْثِيرا فِي الْخَيْر أَو الشَّرّ وَخرج طَاوُوس مَعَ صَاحب لَهُ فِي سفر فصاح غراب فَقَالَ الرجل خير فَقَالَ طَاوُوس وَأي خير عِنْده وَالله لَا تصحبني وَقيل لكعب هَل تتطير فَقَالَ نعم فَقيل لَهُ فَكيف تَقول إِذا تطيرت قَالَ أَقُول اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا غَيْرك وَلَا قُوَّة إِلَّا بك وَكَانَ بعض السّلف يَقُول عِنْد ذَلِك طير الله لَا طيرك وصياح الله لَا صياحك وَمَسَاء الله لامساك وَقَالَ ابْن عبد الحكم لما خرج عمر بن عبد الْعَزِيز من الْمَدِينَة قَالَ مُزَاحم فَنَظَرت فَإِذا الْقَمَر فِي الدبر ان فَكرِهت أَن اقول لَهُ فَقلت أَلا تنظر إِلَى الْقَمَر مَا أحسن استواءه فِي هَذِه اللَّيْلَة قَالَ فَنظر عمر فَإِذا هُوَ فِي الدبران فَقَالَ كَأَنَّك اردت أَن تعلمني أَن الْقَمَر فِي الدبران يَا مُزَاحم إِنَّا لَا نخرج بشمس وَلَا بقمر وَلَكنَّا نخرج بِاللَّه الْوَاحِد القهار فان قيل فَمَا تَقولُونَ فِيمَا روى عَن النَّبِي أَنه كَانَ يسْتَحبّ الفأل فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس وَأبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي لَا عدوى وَلَا طيرة وَخَيرهَا الفأل وَفِي لفظ وَأصْدقهَا الفال وَفِي لفظ وَكَانَ يُعجبهُ الفأل وَفِي لفظ مُسلم ويعجبني الفأل الصَّالح أَي الْكَلِمَة الْحَسَنَة وَقَالَ إِذا أبردتم إِلَى بريدا فَاجْعَلُوهُ حسن الإسم حسن الْوَجْه وروى عَن يحيى بن سعيد أَن رَسُول الله قَالَ للقحة تحلب من يحلب هَذِه فَقَامَ رجل فَقَالَ النَّبِي مَا إسمك فَقَالَ الرجل مرّة فَقَالَ النَّبِي إجلس ثمَّ قَالَ من يجلب هَذِه فَقَامَ رجل فَقَالَ النَّبِي مَا إسمك فَقَالَ الرجل حَرْب فَقَالَ لَهُ النَّبِي إجلس ثمَّ قَالَ من يجلب هَذِه فَقَامَ رجل فَقَالَ لَهُ النَّبِي مَا إسمك فَقَالَ الرجل يعِيش فَقَالَ لَهُ النَّبِي يعِيش احلب فَحلبَ زَاد ابْن وهب فِي جَامِعَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ أَتكَلّم يَا رَسُول الله أم اصمت قَالَ بل اصمت وأخبرك بِمَا أردْت ظَنَنْت يَا عمر أَنَّهَا طيرة وَلَا طير إِلَّا طيرة وَلَا خير إِلَّا خَيره وَلَكِن أحب الفأل وَفِي جَامع ابْن وهب أَن
رَسُول الله أَتَى بِغُلَام فَقَالَ مَا سميتم هَذَا الْغُلَام فَقَالُوا السَّائِب فَقَالَ لَا تسموه السَّائِب وَلَكِن عبد الله قَالَ فغلبوا على اسْمه فَلم يمت حَتَّى ذهب عقله وصحيح البُخَارِيّ من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن سعيد ابْن الْمسيب عَن أَبِيه أَن أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِي فَقَالَ مَا إسمك قَالَ حزن قَالَ أَنْت سهل قَالَ لَا أغير اسْما اسمانيه أبي قَالَ ابْن الْمسيب فَمَا زَالَت الحزونة فِينَا بعد وروى مَالك عَن يحيى بن سعيد أَن عمر بن الْخطاب قَالَ لرجل مَا اسْمك قَالَ جَمْرَة قَالَ ابْن من قَالَ ابْن شهَاب فَقَالَ مِمَّن قَالَ من الحرقة قَالَ أَيْن مسكنك قَالَ بحرة النَّار قَالَ بأيها قَالَ بِذَات لظى فَقَالَ لَهُ عمر أدْرك أهلك فقد احترقوا فَكَانَ كَمَا قَالَ عمر وَفِي غير رِوَايَة مَالك هَذِه الْقِصَّة عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ جَاءَ رجل من جُهَيْنَة إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمك قَالَ شهَاب قَالَ ابْن من قَالَ ابْن جَمْرَة قَالَ ابْن من قَالَ ابْن ضرّ ام قَالَ مِمَّن قَالَ من الحرقة قَالَ وَأَيْنَ مَنْزِلك قَالَ بحرة النَّار قَالَ وَيحك أدْرك مَنْزِلك أَو أهلك فقد احترقوا قَالَ فَأَتَاهُم فألفاهم قد احْتَرَقَ عامتهم وَقَالَت عَائِشَة كَانَ رَسُول الله يُعجبهُ التَّيَمُّن مَا اسْتَطَاعَ فِي تنعله وَترَجله ووضوئه وَفِي شَأْنه كُله وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ الشؤم فِي ثَلَاث فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالدَّابَّة وَفِي الصَّحِيح ايضا من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله قَالَ إِن كَانَ فَفِي الْفرس وَالْمَرْأَة والمسكن يَعْنِي الشؤم وَفِي الْمُوَطَّأ عَن يحيى بن سعيد قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله دَار سكناهَا وَالْعدَد كثير وَالْمَال وافر فَقل الْعدَد وَذهب المَال فَقَالَ رَسُول الله دَعُوهَا ذميمة وَلما رأى النَّبِي يَوْم أحد فرسا قد لوح بِذَنبِهِ وَرجل قد استل سَيْفه فَقَالَ لَهُ شم سَيْفك فَأَنِّي أرى السيوف ستسل الْيَوْم وَكَذَلِكَ قَوْله لما رمى وَاقد ابْن عبد الله عمر بن الْحَضْرَمِيّ فَقتله فَقَالَ وقدت الْحَرْب وعامر عمرت الْحَرْب وَابْن الْحَضْرَمِيّ حضرت الْحَرْب وَلما خرج النَّبِي إِلَى بدر اسْتقْبل فِي طَرِيقه جبلين فَسَأَلَ عَنْهُمَا فَقَالُوا اسْم أَحدهمَا مسلح والأخر مخرىء وأهلهما بَنو النَّار وَبَنُو محراق فكره الْمُرُور عَلَيْهِمَا وتركهما على يسَاره وسلك ذَات الْيَمين وَعرض عبد الله بن جَعْفَر مَالا لَهُ على مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ الدعان وَقَالَ لَهُ اشتره مني فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة هَذَا مَال يَقُول دَعْنِي وَلم نزل الْحُسَيْن بن عَليّ بكر بلَاء قَالَ مَا اسْم هَذَا الْموضع قَالُوا كربلاء قَالَ كرب وبلاء وَلما خرج عبد الله بن الزبير من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة أنْشدهُ أحد أخوية
وكل بني أم سيمسون لَيْلَة ... وَلم يبْق من أغنامهم غير وَاحِد
فَقَالَ لَهُ عبد الله مَا أردْت إِلَى هَذَا قَالَ لم أتعمده قَالَ هُوَ أَشد على وَقد كره السّلف وَمن بعدهمْ أَن يتبع الْمَيِّت بِنَار إِلَى قَبره من مجمر أَو غَيره وَفِي مَعْنَاهُ الشمع قَالَت عَائِشَة لَا تجْعَلُوا آخر زَاده أَن تَتبعُوهُ بالنَّار وَلما بَايع طَلْحَة بن عبيد الله عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ أول من بَايع قَالَ رجل أول يَد بايعته يَد شلاء لَا يتم هَذَا الْأَمر لَهُ وَلما بعث عَليّ رَضِي الله عَنهُ معقل بن قيس الرباحي من الْمَدَائِن فِي ثَلَاثَة آلَاف وَأمره أَن يَأْخُذ على الْموصل وَيَأْتِي نَصِيبين وَرَأس عين حِين يَأْتِي الرقة فيقيم بهَا فَسَار معقل حَتَّى نزل الحديثة فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم جَالِسا إِذْ نظر إِلَى كبشين يتناطحان حَتَّى جَاءَ رجلَانِ فَأخذ كل مِنْهُمَا كَبْشًا فَذهب بِهِ فَقَالَ شَدَّاد بن أبي ربيعَة الْخَثْعَمِي ستصرفون من وجهكم هَذَا لَا تغلبون وَلَا تغلبون لافتراق الكبشين سليمين فَكَانَ كَذَلِك وَلما بعث مُعَاوِيَة فِي شَأْن حجر بن عدى وَأَصْحَابه كَانَ الَّذِي جَاءَهُم أَعور يُقَال لَهُ هدبه وَكَانُوا ثَلَاثَة عشر رجلا مَعَ حجر فَنظر إِلَيْهِ رجل مِنْهُم فَقَالَ إِن صدق الفأل قتل نصفنا لِأَن الرَّسُول أَعور فَلَمَّا قتلوا سَبْعَة وافى رَسُول ثَان ينْهَى عَن قَتلهمْ فكفوا عَن البَاقِينَ وَقَالَ عوانه بن الحكم لما دَعَا ابْن الزبير إِلَى نَفسه قَامَ عبد الله بن مُطِيع ليبايع فَقبض عبد الله بن الزبير يَده وَقَالَ لِعبيد الله بن أبي طَالب قُم فَبَايع فَقَالَ عبد الله قُم يَا مُصعب فَبَايع فَقَامَ فَبَايع فتفاءل النَّاس وَقَالُوا أبي أَن يُبَايع ابْن مُطِيع وَبَايع مصعبا لَيَكُونن فِي أمره صعوبة أَو شَرّ فَكَانَ كَذَلِك وَقَالَ سَلمَة بن محَارب نزل الْحجَّاج فِي محاربته لِابْنِ الْأَشْعَث دير قُرَّة وَنزل عبد الرَّحْمَن ابْن الْأَشْعَث دير الجماجم فَقَالَ الْحجَّاج اسْتَقر الْأَمر فِي يدى وتجمجم بِهِ أمره وَالله لأقتلنه وَقَالَ عَمْرو بن مَرْوَان الْكَلْبِيّ حَدثنِي مَرْوَان بن يسَار عَن سَلمَة مولى يزِيد بن الْوَلِيد قَالَ كنت مَعَ يزِيد بن الْوَلِيد بِنَاحِيَة القريتين قبل خُرُوجه على الْوَلِيد بن يزِيد وَنحن نتذاكر أمره إِذْ عرض لنا ذِئْب هُنَاكَ فَتَنَاول يزِيد قوسه فَرمى الذِّئْب فاصاب حلقه فَقَالَ قتلت الْوَلِيد وَرب الْكَعْبَة فَكَانَ كَمَا قَالَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ashrfali.yoo7.com
مدير المنتدي

ادارة المنتدى


 ادارة المنتدى
مدير المنتدي


عدد المساهمات : 339
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 30/11/2008
العمر : 59
الموقع : https://ashrfali.yoo7.com/

 التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم Empty
مُساهمةموضوع: رد: التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم    التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم Emptyالأربعاء يناير 23, 2013 3:30 pm

فصل وَأما قَوْله الشؤم فِي ثَلَاث الحَدِيث فَهُوَ حَدِيث صَحِيح من رِوَايَة
ابْن عمر وَسَهل بن سعد وَمُعَاوِيَة بن حَكِيم وَقد روى أَن أم سَلمَة كَانَت تزيد السَّيْف يَعْنِي فِي حَدِيث الزهرى عَن حَمْزَة وَسَالم عَن أَبِيهِمَا فِي الشؤم وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث وَكَانَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا تنكر أَن يكون من كَلَام النَّبِي وَتقول إِنَّمَا حَكَاهُ رَسُول الله عَن أهل الْجَاهِلِيَّة وأقوالهم فَذكر أَبُو عمر بن عبد الْبر من حَدِيث هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أبي حسان أَن رجلَيْنِ دخلا على عَائِشَة وَقَالا إِن أَبَا هُرَيْرَة يحدث أَن النَّبِي قَالَ إِنَّمَا الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالدَّابَّة فطارت شقة مِنْهَا فِي السَّمَاء وشقة فِي الارض ثمَّ قَالَت كذب وَالَّذِي أنزل الْفرْقَان على ابي الْقَاسِم من حدث عَنهُ بِهَذَا وَلَكِن رَسُول الله كَانَ يَقُول كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ ان الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالدَّابَّة ثمَّ قَرَأت عَائِشَة مَا اصاب من مُصِيبَة فِي الارض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن فِي ذَلِك على الله يسير قَالَ أَبُو عمر وَكَانَت عَائِشَة تَنْفِي الطَّيرَة وَلَا تعتقد مِنْهَا شَيْئا حَتَّى قَالَت لنسوة كن يُكْرهن الْبناء بأزواجهن فِي شَوَّال مَا تزَوجنِي رَسُول الله إِلَّا فِي شَوَّال وَمَا دخل بِي إِلَّا فِي شَوَّال فَمن كَانَ احظى مني عِنْده وَكَانَ تسْتَحب أَن يدخلن على أَزوَاجهنَّ فِي شَوَّال قَالَ أَبُو عمر وَقَوْلها فِي أبي هُرَيْرَة كذب فَإِن الْعَرَب تَقول كذبت بِمَعْنى غَلطت فِيمَا قدرت وأوهمت فِيمَا قلت وَلم تظن حَقًا وَنَحْو هَذَا وَذَلِكَ مَعْرُوف من كَلَامهم مَوْجُود فِي أشعارهم كثيرا قَالَ أَبُو طَالب:
كَذبْتُمْ وَبَيت الله نَتْرُك مَكَّة ... ونظعن الا أَمركُم فِي بلابل
كَذبْتُمْ وَبَيت الله نبري مُحَمَّدًا ... وَلما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حَتَّى نصرع حوله ... ونذهل عَن أَبْنَائِنَا والحلائل
وَقَالَ شَاعِر من هَمدَان:
كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تأخذونه ... مراغمة مادام للسيف قَائِم
وَقَالَ زفر بن الْحَارِث الْعَبْسِي:
أَفِي الْحق إِمَّا بَحْدَل وَابْن بَحْدَل ... فيحي وَأما ابْن الزبير فَيقْتل
كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تَقْتُلُونَهُ ... وَلما يكن أَمر أغر محجل
قَالَ أَلا ترى أَن هَذَا لَيْسَ من بَاب الْكَذِب الَّذِي هُوَ ضد الصدْق وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْغَلَط وَظن مَا لَيْسَ بِصَحِيح وَذَلِكَ أَن قُريْشًا زَعَمُوا أَنهم يخرجُون بني هَاشم من مَكَّة ان لم يتْركُوا جوَار مُحَمَّد فَقَالَ لَهُم أَبُو طَالب كَذبْتُمْ أَي غلطتم فِيمَا قُلْتُمْ وظننتم وَكَذَلِكَ معنى قَول الْهَمدَانِي والعبسي وَهَذَا مَشْهُور فِي كَلَام الْعَرَب قلت وَمن هَذَا قَول سعيد بن جُبَير كذب جَابر بن زيد يَعْنِي فِي قَوْله الطَّلَاق بيد السَّيِّد أَي أَخطَأ وَمن هَذَا قَول عبَادَة ابْن الصَّامِت كذب ابو مُحَمَّد لما قَالَ الْوتر وَاجِب أَي أَخطَأ وَفِي الصَّحِيح أَن النَّبِي قَالَ كذب ابو السنابل لما أفتى أَن الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا تتَزَوَّج حَتَّى تتمّ لَهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَلَو وضعت وَهَذَا كثير وَالْمَقْصُود أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ردَّتْ هَذَا الحَدِيث وأنكرته وخطأت قَائِله وَلَكِن قَول عَائِشَة هَذَا مَرْجُوح وَلها رَضِي الله عَنْهَا اجْتِهَاد فِي رد بعض الحاديث الصَّحِيحَة خالفها فِيهِ غَيرهَا من الصَّحَابَة وَهِي رَضِي الله عَنْهَا لما طَنَّتْ أَن هَذَا احديث يَقْتَضِي إِثْبَات الطَّيرَة الَّتِي هِيَ من الشّرك لم يَسعهَا غير تَكْذِيبه ورده وَلَكِن الَّذين رَوَوْهُ مِمَّن لَا يُمكن رد روايتهم وَلم ينْفَرد بِهَذَا أَبُو هُرَيْرَة وَحده وَلَو انْفَرد بِهِ فَهُوَ حَافظ الْأمة على الْإِطْلَاق وَكلما رَوَاهُ النَّبِي فَهُوَ صَحِيح بل قد رَوَاهُ عَن النَّبِي عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَسَهل بن سعد الساعدى وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وأحاديثهم فِي الصَّحِيح فَالْحق أَن الْوَاجِب بَيَان معنى الحَدِيث ومباينته للطيرة الشركية فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق هَذَا الحَدِيث قد روى على وَجْهَيْن أَحدهمَا بِالْجَزْمِ وَالثَّانِي بِالشّرطِ فَأَما الأول فَرَوَاهُ مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سَالم وَحَمْزَة بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيهِمَا أَن رَسُول الله قَالَ الشؤم فِي الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس مُتَّفق عَلَيْهِ وَفِي لفظ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ لَا عدوى وَلَا صفر وَلَا طيرة وَإِنَّمَا الشؤم فِي ثَلَاثَة الْمَرْأَة وَالْفرس وَالدَّار وَأما الثَّانِي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا عَن سهل بن سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن كَانَ فَفِي الْمَرْأَة وَالْفرس والممكن يَعْنِي الشؤم وَقَالَ البُخَارِيّ إِن كَانَ فِي شَيْء وَفِي صَحِيح مُسلم عَن جَابر مَرْفُوعا إِن كَانَ فِي شَيْء فَفِي الرّبع وَالْخَادِم وَالْفرس وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا إِن يكن من الشؤم شَيْء حَقًا فَفِي الْفرس والمسكن وَالْمَرْأَة وروى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن عتبَة بن حميد قَالَ حَدثنِي عبيد الله بن أبي بكر أَنه سمع أنسا يَقُول قَالَ رَسُول الله لَا طيرة والطيرة على من تطير وَإِن يكن فِي شَيْء فَفِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالْفرس ذكره أَبُو عمر
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى لم يجْزم النَّبِي بالشؤم فِي هَذِه الثَّلَاثَة بل علقه على الشَّرْط فَقَالَ إِن يكن الشؤم فِي شَيْء وَلَا يلْزم من صدق الشّرطِيَّة صدق كل وَاحِد من مفرديها فقد يصدق التلازم بَين المستحيلين قَالُوا وَلَعَلَّ الْوَهم وَقع من ذَلِك وَهُوَ أَن الرَّاوِي غلط وَقَالَ الشؤم فِي ثَلَاثَة وَإِنَّمَا الحَدِيث إِن كَانَ الشؤم فِي شَيْء فَفِي ثَلَاثَة قَالُوا وَقد اخْتلف على ابْن عمر وَالرِّوَايَتَانِ صحيحتان عَنهُ قَالُوا وَبِهَذَا يَزُول الْإِشْكَال ويتبين وَجه الصَّوَاب
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى إِضَافَة رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم الشؤم إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة مجَاز واتساع أَي قد يحصل مُقَارنًا لَهَا وَعِنْدهَا لَا أَنَّهَا هِيَ أَنْفسهَا مِمَّا يُوجب الشؤم قَالُوا وَقد يكون الدَّار قد قضى الله عز وَجل عَلَيْهَا أَن يُمِيت فِيهَا خلقا من عباده كَمَا يقدر ذَلِك فِي الْبَلَد الَّذِي ينزل الطَّاعُون بِهِ وَفِي الْمَكَان الَّذِي يكثر الوباء بِهِ فيضاف ذَلِك إِلَى الْمَكَان مجَازًا وَالله خلقه عِنْده وَقدره فِيهِ كَمَا يخلق الْمَوْت عِنْد قتل الْقَاتِل والشبع والري عِنْد أكل الْآكِل وَشرب الشَّارِب فالدار الَّتِي يهْلك بهَا أَكثر ساكنيها تُوصَف بالشؤم لِأَن الله عز وَجل قد قصها بِكَثْرَة من قبض فِيهَا كتب الله عَلَيْهِ الْمَوْت فِي تِلْكَ الدَّار حسن إِلَيْهِ سكناهَا وحركه إِلَيْهَا حَتَّى يقبض روحه فِي الْمَكَان الَّذِي كتب لَهُ كَمَا سَاق الرجل من بلد إِلَى بلد للأثر والبقعة الَّتِي قضى أَنه يكون مدفنه بهَا
قَالُوا وَكَذَلِكَ مَا يُوصف من طول أَعمار بعض أهل الْبلدَانِ لَيْسَ ذَلِك من أجل صِحَة هَوَاء وَلَا طيب تربة وَلَا طبع يزْدَاد بِهِ الْأَجَل وَينْقص بفواته وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ قد خلق ذَلِك الْمَكَان وَقضى أَن يسكنهُ أطول خلقه أعمارا فيسوقهم إِلَيْهِ ويجمعهم فِيهِ ويحببه إِلَيْهِم قَالُوا وَإِذا كَانَ هَذَا على مَا وَصفنَا فِي الدّور وَالْبِقَاع جَازَ مثله فِي النِّسَاء وَالْخَيْل فَتكون الْمَرْأَة قد قدر الله عَلَيْهَا أَن تتَزَوَّج عددا من الرِّجَال ويموتون مَعهَا فَلَا بُد من انفاذ قَضَائِهِ وَقدره حَتَّى أَن الرجل ليقدم عَلَيْهَا من بعد علمه بِكَثْرَة من مَاتَ عَنْهَا لوجه من الطمع يَقُودهُ إِلَيْهَا حَتَّى يتم قَضَاؤُهُ وَقدره فتوصف الْمَرْأَة بالشؤم لذَلِك وَكَذَلِكَ الْفرس وَإِن لم يكن لشَيْء من ذَلِك فعل وَلَا تَأْثِير
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم سُئِلَ مَالك عَن الشؤم فِي الْفرس وَالدَّار فَقَالَ إِن ذَلِك كذب فِيمَا نرى كم من دَار قد سكنها نَاس فهلكوا ثمَّ سكنها آخَرُونَ فملكوا قَالَ فَهَذَا تَفْسِيره فِيمَا نرى وَالله أعلم
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى شُؤْم الدَّار مجاورة جَار السوء وشؤم الْفرس أَن يغزى عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله وشؤم الْمَرْأَة أَن لَا تَلد وَتَكون سَيِّئَة الْخلق وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى مِنْهُم الخطائي هَذَا مُسْتَثْنى من الطَّيرَة أَي الطَّيرَة منهى عَنْهَا إِلَّا أَن يكون لَهُ دَار يكره سكناهَا أَو امْرَأَة يكره صحبتهَا أَو فرس أَو خَادِم فليفارق الْجَمِيع بِالْبيعِ وَالطَّلَاق وَنَحْوه وَلَا يُقيم على الْكَرَاهَة والتأذي بِهِ فَإِنَّهُ شُؤْم وَقد سلك هَذَا المسلك أَبُو مُحَمَّد بن قُتَيْبَة فِي كتاب مُشكل الحَدِيث لَهُ لما ذكر أَن بعض الْمَلَاحِدَة اعْترض بِحَدِيث هَذِه الثَّلَاثَة
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى الشؤم فِي هَذِه الثَّلَاثَة إِنَّمَا يلْحق من تشاءم بهَا وَتَطير بهَا فَيكون شؤمها عَلَيْهِ وَمن توكل على الله وَلم يتشاءم وَلم يتطير لم تكن مشؤمة عَلَيْهِ قَالُوا وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث أنس الطَّيرَة على من تطير وَقد يَجْعَل الله سُبْحَانَهُ تطير العَبْد وتشاؤمه سَببا لحلول الْمَكْرُوه بِهِ كَمَا يَجْعَل الثِّقَة والتوكل عَلَيْهِ وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الْأَسْبَاب الَّتِي يدْفع بهَا الشَّرّ المتطير بِهِ وسر هَذَا أَن الطَّيرَة إِنَّمَا تَتَضَمَّن الشّرك بِاللَّه تَعَالَى وَالْخَوْف من غَيره وَعدم التَّوَكُّل عَلَيْهِ والثقة بِهِ كَانَ صَاحبهَا غَرضا لسهام الشَّرّ وَالْبَلَاء فيتسرع نفوذها فِيهِ لِأَنَّهُ لم يتدرع من التَّوْحِيد والتوكل بجنة واقية وكل من خَافَ شَيْئا غير الله سلط عَلَيْهِ كَمَا أَن من أحب مَعَ الله غَيره عذب بِهِ وَمن رجا مَعَ الله غَيره خذل من جِهَته وَهَذِه أُمُور تجربتها تَكْفِي عَن أدلتها وَالنَّفس لَا بُد أَن تتطير وَلَكِن الْمُؤمن الْقوي الايمان يدْفع مُوجب تطيره بالتوكل على الله فان من توكل على الله وَحده كَفاهُ من غَيره قَالَ تَعَالَى فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على الَّذين آمنُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه وَالَّذين هم بِهِ مشركون وَلِهَذَا قَالَ ابْن مَسْعُود وَمَا منا إِلَّا يَعْنِي من يُقَارب التطير وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل وَمن هَذَا قَول زبان بن سيار:
أطار الطير إِذْ سرنا زِيَاد ... لتخبرنا وَمَا فِيهَا خَبِير
أَقَامَ كَانَ لُقْمَان بن عَاد ... أَشَارَ لَهُ بِحِكْمَتِهِ مشير
تعلم أَنه لَا طير إِلَّا ... على متطير وَهُوَ الثبور
بل شَيْء يُوَافق بعض شَيْء ... أحايينا وباطله كثير
قَالُوا فالشؤم الَّذِي فِي الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس قد يكون مَخْصُوصًا بِمن تشاءم بهَا وَتَطير وَأما من توكل على الله وخافه وَحده وَلم يتطير وَلم يتشاءم فان الْفرس وَالْمَرْأَة وَالدَّار لَا يكون شؤما فِي حَقه
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى معنى الحَدِيث إخْبَاره عَن الْأَسْبَاب المثيرة للطيرة الكامنة فِي الغرائز يعْنى أَن المثير للطيرة فِي غرائز النَّاس هِيَ هَذِه الثَّلَاثَة فَأخْبرنَا بِهَذَا لنأخذ الحذر مِنْهَا فَقَالَ الشؤم فِي الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس أَي أَن الْحَوَادِث الَّتِي تكْثر مَعَ هَذِه الْأَشْيَاء والمصائب الَّتِي تتوالى عِنْدهَا تَدْعُو النَّاس إِلَى التشاؤم بهَا فَقَالَ الشؤم فِيهَا أَي أَن الله قد يقدره فِيهَا على قوم دون قوم فخاطبهم بذلك لما اسْتَقر عِنْدهم مِنْهُ من إبِْطَال الطَّيرَة وإنكار الْعَدْوى وَلذَلِك لم يستفهموا فِي ذَلِك عَن معنى مَا أَرَادَهُ كَمَا تقدم لَهُم فِي قَوْله لَا يُورد الممرض على المصح فَقَالُوا عِنْده وَمَا ذَاك يَا رَسُول الله فَأخْبرهُم أَنه خَافَ فِي ذَلِك الْأَذَى الَّذِي يدْخلهُ الممرض على المصح لَا الْعَدْوى لِأَنَّهُ أَمر بالتوادد وَإِدْخَال السرُور بَين الْمُؤمنِينَ وَحسن التجاوز وَنهى عَن التقاطع والتباغض والأذى فَمن اعْتقد أَن رَسُول الله نسب الطَّيرَة والشؤم إِلَى شَيْء من الْأَشْيَاء على سَبِيل إِنَّه مُؤثر بذلك دون الله فقد أعظم الْفِرْيَة على الله وعَلى رَسُوله وضل ضلالا بَعيدا وَالنَّبِيّ ابتداهم بِنَفْي الطَّيرَة والعدوى ثمَّ قَالَ الشؤم فِي ثَلَاث قطعا لتوهم المنفية فِي الثَّلَاثَة الَّتِي أخبر أَن الشؤم يكون فِيهَا فَقَالَ لَا عدوى وَلَا طيرة والشؤم فِي ثَلَاثَة فابتدأهم بالمؤخر من الْخَيْر تعجيلا لَهُم بالأخبار بِفساد الْعَدْوى والطيرة المتوهمة من قَوْله الشؤم فِي ثَلَاثَة وَبِالْجُمْلَةِ فإخباره بالشؤم أَنه يكون فِي هَذِه الثَّلَاثَة لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات الطَّيرَة الَّتِي نفاها وَإِنَّمَا غَايَته إِن الله سُبْحَانَهُ قد يخلق مِنْهَا أعيانا مشؤمة على من قاربها وسكنها وأعيانا مباركة لَا يلْحق من قاربها مِنْهَا شُؤْم وَلَا شَرّ وَهَذَا كَمَا يعْطى سُبْحَانَهُ الْوَالِدين ولدا مُبَارَكًا يريان الْخَيْر على وَجهه وَيُعْطى غَيرهمَا ولدا مشؤما نذلا يريان الشَّرّ على وَجهه وَكَذَلِكَ مَا يعطاه العَبْد ولَايَة أَو غَيرهَا فَكَذَلِك الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس وَالله سُبْحَانَهُ خَالق الْخَيْر وَالشَّر والسعود والنحوس فيخلق بعض هَذِه الْأَعْيَان سعودا مباركة وَيقْضى سَعَادَة من قارنها وَحُصُول الْيمن لَهُ وَالْبركَة ويخلق بعض ذَلِك نحوسا يتنحس بهَا من قارنها وكل ذَلِك بِقَضَائِهِ وَقدره كَمَا خلق سَائِر الْأَسْبَاب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة فَكَمَا خلق الْمسك وَغَيره من حَامِل الْأَرْوَاح الطّيبَة ولذذ بهَا من قارنها من النَّاس وَخلق ضدها وَجعلهَا سَببا لإيذاء من قارنها من النَّاس وَالْفرق بَين هذَيْن النَّوْعَيْنِ يدْرك بالحس فَكَذَلِك فِي الديار وَالنِّسَاء وَالْخَيْل فَهَذَا لون والطيرة الشركية لون آخر
فصل وَأما الْأَثر الَّذِي ذكره مَالك عَن يحيى بن سعيد جَاءَت امْرَأَة إِلَى
رَسُول الله فَقَالَت يَا رَسُول الله دَار سكناهَا وَالْعدَد كثير وَالْمَال وافر فَقل الْعدَد وَذهب المَال فَقَالَ النَّبِي
دَعْوَاهَا ذميمة وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث غير مَالك من رِوَايَة أنس أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنا نزلنَا دَارا فَكثر فِيهَا عددنا وَكَثُرت فِيهَا أَمْوَالنَا ثمَّ تَحَوَّلْنَا إِلَى أُخْرَى فَقلت فِيهَا أَمْوَالنَا وَقل فِيهَا عددنا فَقَالَ رَسُول الله وَذكره فَلَيْسَ هَذَا من الطَّيرَة الْمنْهِي عَنْهَا وَإِنَّمَا أَمرهم بالتحول عَنْهَا عِنْد مَا وَقع فِي قُلُوبهم مِنْهَا لمصلحتين ومنفعتين إِحْدَاهمَا مفارقتهم لمَكَان هم لَهُ مستثقلون وَمِنْه مستوحشون لما لحقهم فِيهِ ونالهم ليتعجلوا الرَّاحَة مِمَّا داخلهم من الْجزع فِي ذَلِك الْمَكَان والحزن والهلع لِأَن الله عز وَجل قد جعل فِي غرائز النَّاس وتركيبهم استثقال مَا نالهم الشَّرّ فِيهِ وَإِن كَانَ لاسبب لَهُ فِي ذَلِك وَحب مَا جرى لَهُم على يَدَيْهِ الْخَيْر وَإِن لم يردهم بِهِ فَأَمرهمْ بالتحول مِمَّا كرهوه لِأَن الله عز وَجل بَعثه رَحْمَة وَلم يَبْعَثهُ عذَابا وأرسله ميسرًا وَلم يُرْسِلهُ مُعسرا فَكيف يَأْمُرهُم بالْمقَام فِي مَكَان قد أحزنهم الْمقَام بِهِ واستوحشوا عِنْده لِكَثْرَة من فقدوه فِيهِ لغير منفعَته وَلَا طَاعَة وَلَا مزِيد تقوى وَهدى فَلَا سِيمَا وَطول مقامهم فِيهَا بعد مَا وصل إِلَى قُلُوبهم مِنْهَا مَا وصل قد يَبْعَثهُم ويدعوهم إِلَى التشاؤم والتطير فيوقعهم ذَلِك فِي أَمريْن عظيمين أَحدهمَا مُقَارنَة الشّرك وَالثَّانِي حُلُول مَكْرُوه أحزنهم بِسَبَب الطَّيرَة الَّتِي إِنَّمَا تلْحق المتطير فحماهم بِكَمَال رأفته وَرَحمته من هذَيْن المكروهين بمفارقة تِلْكَ الدَّار والاستبدال بهَا من غير ضَرَر يلحقهم بذلك فِي دنيا وَلَا نقص فِي دين وَهُوَ حِين فهم عَنْهُم فِي سُؤَالهمْ مَا أرادوه من التعرف عَن حَال رحلتهم عَنْهَا هَل ذَلِك لَهُم ضار مؤد إِلَى الطَّيرَة قَالَ دَعُوهَا ذميمة وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْخَارِج من أَرض بهَا الطَّاعُون غير فار مِنْهُ وَلَو منع النَّاس الرحلة من الدَّار الَّتِي تتوالى عَلَيْهِم المصائب والمحن فِيهَا وَتعذر الأرزاق مَعَ سَلامَة التَّوْحِيد فِي الرحلة للَزِمَ ذَلِك أَن كل من ضَاقَ عَلَيْهِ رزق فِي بلد أَن لَا ينْتَقل مِنْهُ إِلَى بلد آخر وَمن قلت فَائِدَة صناعته أَن لَا ينْتَقل عَنْهَا إِلَى غَيرهَا 0

فصل وَأما قَول النَّبِي للَّذي سل سَيْفه يَوْم أحد شم سَيْفك فَإِنِّي
أرى السيوف ستنسل الْيَوْم فَهَذِهِ الْقِصَّة لم يكن الرجل قد سل فِيهَا السَّيْف وَلَكِن الْفرس لوح بِذَنبِهِ فسل السَّيْف وَلم يرد صَاحبه سَله هَكَذَا فِي الْقِصَّة وَلَا ريب أَن الْحَرْب تقوم بِالْخَيْلِ وَالسُّيُوف وَلما لوح الْفرس بِذَنبِهِ فاستل السَّيْف قَالَ النَّبِي أَنى أرى السيوف ستنسل الْيَوْم فَهَذَا لَهُ محمل من ثَلَاثَة محامل أَحدهَا أَن النَّبِي أخبر عَن ظن ظَنّه فِي ذَلِك وَلم يَجْعَل هَذَا دَلِيلا تَمامًا فِي كل وَاقعَة تشبه هَذِه وَإِذا كَانَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ وَهُوَ أحد أَتبَاع رَسُول الله صبى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجل من أمته كَانَ إِذا قَالَ أَظن كَذَا أَو أرى كَذَا خرج الْأَمر كَمَا ظَنّه وحسبه فَكيف الظَّن برَسُول الله الثَّانِي ان النَّبِي كَانَ قد علم قبل مخرجه أَن السيوف ستنسل وَيَقَع الْقِتَال وَلِهَذَا أخْبرهُم أَنه رأى فِي مَنَامه أَنه يقْرَأ النَّحْل وَعلم أَن ذَلِك شَهَادَة من قتل من أَصْحَابه
الثَّالِث أَن الْوَحْي الَّذِي كَانَ يعرف بِهِ رَسُول الله الْحَوَادِث والنوازل كَانَ مغنيا لَهُ عَن الإشارات والعلامات والامارات وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ غَيره وَأما من يَأْتِيهِ خبر السَّمَاء صباحا وَمَسَاء فإخباره بقوله أرى السيوف الْيَوْم ستنسل لم يكن عَن تِلْكَ الأمارة وَإِنَّمَا وَقع الْإِخْبَار بِهِ عقيبها وَالشَّيْء بالشَّيْء يذكر
فصل وَأما مَا احْتج بِهِ وَنسبه إِلَى قَوْله وقدت الْحَرْب لما رأى
وَاقد بن عبد الله الحضري والحضرمي حضرت الْحَرْب فكذب عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك أعداؤه من الْيَهُود فتطيروا بذلك وتفاءلوا بِهِ فَكَانَت الطَّيرَة عَلَيْهِم ووقدت الْحَرْب عَلَيْهِم
فصل وَأما استقباله الجبلين فِي طَرِيقه وهما مسلح ومخرىء وَترك
الْمُرُور بَينهمَا وعدله ذَات الْيَمين فَلَيْسَ هَذَا أَيْضا من الطَّيرَة وَإِنَّمَا هُوَ من الْعُدُول عَمَّا يُؤْذى النُّفُوس ويشوش الْقُلُوب إِلَى مَا هُوَ بِخِلَافِهِ كالعدول عَن الِاسْم الْقَبِيح وتغييره بِأَحْسَن مِنْهُ وَقد تقدم تَقْرِير ذَلِك بِمَا فِيهِ كِفَايَة وَأَيْضًا فَإِن الْأَمَاكِن فِيهَا الميمون الْمُبَارك والمشؤم المذموم فَاطلع رَسُول الله على شُؤْم ذَلِك الْمَكَان وَأَنه مَكَان سوء فجاوزه إِلَى غَيره كَمَا جَاوز الْوَادي الَّذِي نَامُوا فِيهِ عَن الصُّبْح إِلَى غَيره وَقَالَ هَذَا مَكَان حَضَرنَا فِيهِ الشَّيْطَان والشيطان يحب الْأَمْكِنَة المذمومة وينتابها وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَ الْمُرُور بَين ذَيْنك الجبلين قد يشوش الْقلب على أَنا نقُول فِي ذَلِك قولا كليا نبين بِهِ سر هَذَا الْبَاب بحول الله وعونه وتوفيقه
أعلم أَن بَين الْأَسْمَاء ومسمياتها ارتباطا قدره الْعَزِيز الْقَادِر وألهمه نفوس الْعباد وَجعله فِي قُلُوبهم بِحَيْثُ لَا تَنْصَرِف عَنهُ وَلَيْسَ هَذَا الارتباط هُوَ ارتباط الْعلَّة بمعلولها وَلَا ارتباط الْمُقْتَضى الْمُوجب لمقتضاه وموجبة بل ارتباط تناسب وتشاكل اقتضته حِكْمَة الْحَكِيم فَقل أَن ترى اسْما قبيحا إِلَّا وَبَين مُسَمَّاهُ وَبَينه رابط من الْقبْح وَكَذَلِكَ إِذا تَأَمَّلت الِاسْم الثقيل الَّذِي تنفر عَنهُ الأسماع وتنبو عَنهُ الطباع فأنك تَجِد مُسَمَّاهُ يُقَارب أَو يلم أَن يُطَابق وَلِهَذَا من الْمَشْهُور على أَلْسِنَة النَّاس أَن الألقاب تنزل من السَّمَاء فَلَا تكَاد تَجِد الِاسْم الشنيع الْقَبِيح إِلَّا على مُسَمّى يُنَاسِبه وَفِي ذَلِك قَول الْقَائِل
وَقل أَن أَبْصرت عَيْنَاك ذَا لقب ... إِلَّا وَمَعْنَاهُ أَن فَكرت فِي لقبه
وَلِهَذَا كثيرا مَا تَجِد أَيْضا فِي أَسمَاء الْأَجْنَاس والواضع لَهُ عناية بمطابقة الْأَلْفَاظ للمعاني ومناسبتها لَهَا فَيجْعَل الْحُرُوف الهوائية الْخَفِيفَة لمسمى مشاكل لَهَا كالهواء والحروف الشَّدِيدَة للمسمى الْمُنَاسب لَهَا كالصخر وَالْحجر وَإِذا تَتَابَعَت حَرَكَة الْمُسَمّى تابعوا بَين حَرَكَة اللَّفْظ كالدوران والغليان والنزوان وَإِذا تَكَرَّرت الْحَرَكَة كرروا اللَّفْظ كفلفل وزلزل ودكدك وصرصر وَإِذا اكتنز الْمُسَمّى وتجمعت أجزاؤه جعلُوا فِي أُسَمِّهِ من الضَّم الدَّال على الْجمع والاكتناز مَا يُنَاسب الْمُسَمّى كالبحتر للقصير الْمُجْتَمع الْخلق وَإِذا طَال جعلُوا فِي الْمُسَمّى من الْفَتْح الدَّال على الامتداد نَظِير مَا فِي الْمَعْنى كالعشنق للطويل ونظائر ذَلِك أَكثر من أَن تستوعب وَإِنَّمَا أَشَرنَا إِلَيْهَا أدنى إِشَارَة وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ من قَالَ بَين الِاسْم والمسمى مُنَاسبَة فَلم يفهم عَنهُ بعض الْمُتَأَخِّرين مُرَاده فَأخذ يشنع عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا تناسب طبعيا بَينهمَا وَاسْتدلَّ على إِنْكَار ذَلِك بِمَا لَا طائل تَحْتَهُ فَإِن عَاقِلا لَا يَقُول أَن التناسب الَّذِي بَين الِاسْم والمسمى كالتناسب الَّذِي بَين الْعلَّة والمعلول وَإِنَّمَا هُوَ تَرْجِيح وأولوية تَقْتَضِي اخْتِصَاص الِاسْم بمسماه وَقد يتَخَلَّف عَنهُ اقتضاؤها كثيرا وَالْمَقْصُود أَن هَذِه الْمُنَاسبَة تنضم إِلَى مَا جعل الله فِي طبائع النَّاس وغرائزهم من النفرة بَين الِاسْم الْقَبِيح الْمَكْرُوه وكراهته وَتَطير أَكْثَرهم بِهِ وَذَلِكَ يُوجب عدم ملابسته ومجاوزته إِلَى غَيره فَهَذَا أصل هَذَا الْبَاب
فصل وَأما كَرَاهِيَة السّلف أَن يتبع الْمَيِّت بِشَيْء من النَّار أَو أَن يدْخل
الْقَبْر شَيْء مسته النَّار وَقَول عَائِشَة رضى الله عَنْهَا لَا يكون آخر زَاده أَن تَتبعُوهُ بالنَّار فَيجوز أَن يكون كراهتهم لذَلِك مَخَافَة الْأَحْدَاث لما لم يكن فِي عصر رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم فَكيف وَذَلِكَ مِمَّا يُبِيح الطَّيرَة بِهِ والظنون الرديه بِالْمَيتِ وَقد قَالَ غير وَاحِد من السّلف مِنْهُم عبد الْملك بن حبيب وَغَيره إِنَّمَا كَرهُوا ذَلِك تفاؤلا بالنَّار فِي هَذَا الْمقَام أَن تتبعه
وَذكر ابْن حبيب وَغَيره أَن النَّبِي أَرَادَ أَن يصلى على جَنَازَة فَجَاءَت امْرَأَة وَمَعَهَا مجمر فَمَا زَالَ يصبح بهَا حَتَّى تَوَارَتْ بآجام الْمَدِينَة قَالَ بعض أهل الْعلم وَلَيْسَ خوفهم من ذَلِك على الْمَيِّت لَكِن على الْأَحْيَاء المجبولين على الطَّيرَة لِئَلَّا تحدثهم أنفسهم بِالْمَيتِ أَنه من أهل النَّار لما رَأَوْا من النَّار الَّتِي تتبعه فِي أول أَيَّامه من الْآخِرَة وَلَا سِيمَا فِي مَكَان يُرَاد مِنْهُم فِيهِ كَثْرَة الِاجْتِهَاد للْمَيت بِالدُّعَاءِ فَإِذا لم يبْق لَهُ زَاد غَيره فيظنون أَن تِلْكَ النَّار من بقايا زَاده إِلَى الْآخِرَة فتسوء ظنونهم بِهِ وتنفر عَن رَحمته قُلُوبهم فِي مَكَان هم فِيهِ شُهَدَاء الله كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح لما مر على النَّبِي بِجنَازَة فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا فَقَالَ وَجَبت فَقَالُوا مَا وَجَبت قَالَ وَجَبت لَهُ الْجنَّة أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض من أثنيتم عَلَيْهِ خيرا وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن أثنيتم عَلَيْهِ شرا وَجَبت لَهُ النَّار وَفِي أثر آخر إِذا أردتم أَن تعلمُوا مَا للْمَيت عِنْد الله فانظروا مَا تتعبه من حسن الثَّنَاء فَقَالَت عَائِشَة رضى الله عَنْهَا لَا يكون آخر زَاده من الثَّنَاء وَالدُّعَاء أَن تَتبعُوهُ بالنَّار فتهيجوا بهَا خواطر النَّاس وتبعثوا ظنونهم بالتطير وَالنَّار وَالْعَذَاب وَالله أعلم
فصل وَأما تِلْكَ الوقائع الَّتِي ذكروها مِمَّا يدل على وُقُوع مَا تطير بِهِ
من تطير فَنعم وَهَاهُنَا أضعافها وأضاف أضعافها ولسنا ننكر مُوَافقَة الْقَضَاء وَالْقدر لهَذِهِ الْأَسْبَاب وَغَيرهَا كثيرا مُوَافقَة حزر الحازرين وظنون الظانين وزجر الزاجرين للقدر أَحْيَانًا مِمَّا لَا يُنكره أحد وَمن الْأَسْبَاب الَّتِي توجب وُقُوع الْمَكْرُوه الطَّيرَة كَمَا تقدم وَإِن الطَّيرَة على من تطير وَلَكِن نصب الله سُبْحَانَهُ لَهَا أسبابا يدْفع بهَا مُوجبهَا وضررها من التَّوَكُّل عَلَيْهِ وَحسن الظَّن بِهِ وإعراض قلبه عَن الطَّيرَة وَعدم التفاته إِلَيْهَا وخوفه مِنْهَا وثقته بِاللَّه عز وَجل ولسنا ننكر أَن هَذِه الْأُمُور ظنون وتخمين وحدس وخرص وَمَا كَانَ هَذَا سَبيله فَيُصِيب تَارَة ويخطىء تارات وَلَيْسَ كل مَا تطير بِهِ المتطيرون وتشاءموا بِهِ وَقع جَمِيعه وَصدق بل أَكْثَره كَاذِب وصادقه نَادِر وَالنَّاس فِي هَذَا الْمقَام إِنَّمَا يعولون وينقلون مَا صَحَّ وَوَقع ويعتنون بِهِ فَيرى كثيرا والكاذب مِنْهُ أَكثر من أَن ينْقل قَالَ ابْن قُتَيْبَة من شَأْن النُّفُوس حفظ الصَّوَاب للعجب بِهِ والاستغراب وتناسي الْخَطَأ قَالَ وَمن ذَا الَّذِي يتحدث أَنه سَأَلَ منجما فَأَخْطَأَ وَإِنَّمَا الَّذِي يتحدث بِهِ وينقل أَنه ساله فاصاب قَالَ وَالصَّوَاب فِي مسئلة إِذا كَانَ بَين أَمريْن قد يَقع للمعتوه والطفل فضلا عَن أولى الْعقل وَقد تقدم من بطلَان الطَّيرَة وكذبها مَا فِيهِ كِفَايَة وَقد كَانَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا تسْتَحب أَن تتَزَوَّج الْمَرْأَة أَو يبْنى بهَا فِي شَوَّال وَتقول مَا تزَوجنِي رَسُول الله إِلَّا فِي شَوَّال فاي نِسَائِهِ كَانَ أحظى عِنْده مني مَعَ تطير النَّاس بِالنِّكَاحِ فِي شَوَّال وَهَذَا فعل أولى الْعَزْم وَالْقُوَّة من الْمُؤمنِينَ الَّذين صَحَّ توكلهم على الله واطمأنت قُلُوبهم إِلَى رَبهم ووثقوا بِهِ وَعَلمُوا إِن مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَأَنَّهُمْ لن يصيبهم إِلَّا مَا كتب الله لَهُم وَأَنَّهُمْ مَا أَصَابَهُم من مُصِيبَة إِلَّا وَهِي فِي كتاب من قبل أَن يخلقهم ويوجدهم وَعَلمُوا أَنه لَا بُد أَن يصيروا إِلَى مَا كتبه وَقدره وَلَا بُد أَن يجرى عَلَيْهِم وَإِن تطيرهم لَا يرد قَضَاءَهُ وَقدره عَنْهُم بل قد يكون تطيرهم من أعظم الاسباب الَّتِي يجرى عَلَيْهِم بهَا الْقَضَاء وَالْقدر فيعينون على أنفسهم وَقد جرى لَهُم الْقَضَاء وَالْقدر بِأَن نُفُوسهم هِيَ سَبَب إِصَابَة الْمَكْرُوه لَهُم فطائرهم مَعَهم وَأما المتوكلون على الله المفوضون إِلَيْهِ الْعَالمُونَ بِهِ وبأمره فنفوسهم أشرف من ذَلِك وهممهم أَعلَى وثقتهم بِاللَّه وَحسن ظنهم بِهِ عدَّة لَهُم وَقُوَّة وجنة مِمَّا يتطير بِهِ المتطيرون ويتشاءم بِهِ المتشائمون عالمون أَنه لَا طير إِلَّا طيره وَلَا خير إِلَّا خيرة وَلَا إِلَه غَيره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين
فصل وَمِمَّا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَتَطَيَّرُونَ بِهِ ويتشاءمون مِنْهُ العطاس كَمَا يتشاءمون بالبوارح والسوانح قَالَ رُؤْيَة بن العجاج يصف فلاة
قطعتها وَلَا أهاب العطاسا ... وَقَالَ أمرؤ الْقَيْس:
وَقد اغتدى قبل العطاس بهيكل ... شَدِيد مشيد الْجنب فَعم الْمنطق
أَرَادَ أَنه كَانَ ينتبه للصَّيْد قبل أَن ينتبه النَّاس من نومهم لَيْلًا يسمع عطاسا فيتشاءم بعطاسه وَكَانُوا إِذا عطس من يحبونه قَالُوا لَهُ عمرا وشبابا وَإِذا عطس من يبغضونه قَالُوا لَهُ وريا وقحابا والورى كالرمي دَاء يُصِيب الكبد فيفسدها والقحاب كالسعال وزنا وَمعنى فَكَانَ الرجل إِذا سمع عطاسا يتشاءم بِهِ يَقُول بكلابي إِنِّي أسَال الله أَن يَجْعَل شُؤْم عطاسك بك لأبي وَكَانَ تشاؤمهم بالعطسة الشَّدِيدَة أَشد كَمَا حكى عَن بعض الْمُلُوك أَن سامرا لَهُ عطس عطسة شَدِيدَة راعته فَغَضب الْملك فَقَالَ سميره وَالله مَا تَعَمّدت ذَلِك وَلَكِن هَذَا عطاسي فَقَالَ وَالله لَئِن لم تأتني بِمن يشْهد لَك بذلك لأَقْتُلَنك فَقَالَ أخرجني إِلَى النَّاس لعلى أجد من يشْهد لي فَأخْرجهُ وَقد وكل بِهِ الأعوان فَوجدَ رجلا فَقَالَ يَا سَيِّدي نشدتك بِاللَّه إِن كنت سَمِعت عطاسي يَوْمًا فلعلك تشهد لي بِهِ عِنْد الْملك فَقَالَ نعم
أَنا أشهد لَك فَنَهَضَ مَعَه وَقَالَ يَا أَيهَا الْملك أَنا أشهد أَن هَذَا الرجل عطس يَوْمًا فطار ضرس من أَضْرَاسه فَقَالَ لَهُ الْملك عد إِلَى حَدِيثك ومجلسك فَلَمَّا جَاءَ الله سُبْحَانَهُ بِالْإِسْلَامِ وأبطل بِرَسُولِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من الضَّلَالَة نهى أمته عَن التشاؤم والتطير وَشرع لَهُم أَن يجْعَلُوا مَكَان الدُّعَاء على الْعَاطِس بالمكروه الدُّعَاء لَهُ بِالرَّحْمَةِ كَمَا أَمر العائن أَن يَدْعُو بالتبريك للمعين وَلما كَانَ الدُّعَاء على الْعَاطِس نوعا من الظُّلم وَالْبَغي جعل الدُّعَاء لَهُ بِلَفْظ الرَّحْمَة الْمنَافِي للظلم وَأمر الْعَاطِس عمرَان يَدْعُو لسامعه ويشمته بالمغفرة وَالْهِدَايَة وَإِصْلَاح البال فَيَقُول يغْفر الله لنا وَلكم أَو يهديكم الله وَيصْلح بالكم فاما الدُّعَاء بالهداية فَلَمَّا أَن اهْتَدَى إِلَى طَاعَة الرَّسُول وَرغب عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا لَهُ أَن يُثبتهُ الله عَلَيْهَا ويهديه إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ الدُّعَاء باصلاح البال وَهِي حِكْمَة جَامِعَة لصلاح شَأْنه كُله وَهِي من بَاب الْجَزَاء على دُعَائِهِ لِأَخِيهِ بِالرَّحْمَةِ فَنَاسَبَ أَن يجازيه بِالدُّعَاءِ لَهُ بإصلاح البال وَأما الدُّعَاء بالمغفرة فجَاء بِلَفْظ يَشْمَل الْعَاطِس والمشمت كَقَوْلِه يغْفر الله لنا وَلكم ليستحصل من مَجْمُوع دَعْوَى الْعَاطِس والمشمت لَهُ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لَهما مَعًا فصلوات الله وَسَلَامه على الْمَبْعُوث بصلاح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلأَجل هَذَا وَالله أعلم لم يُؤمر بتشميت من لم يحمد الله فَإِن الدُّعَاء لَهُ بِالرَّحْمَةِ نعْمَة فَلَا يَسْتَحِقهَا من لم يحمد الله ويشكره على هَذِه النِّعْمَة ويتأسى بابيه آدم فَإِنَّهُ لما نفخت فِيهِ الرّوح إِلَى الخياشيم عطس فألهمه ربه تبَارك وَتَعَالَى أَن نطق بِحَمْدِهِ فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ الله سُبْحَانَهُ يَرْحَمك الله يَا آدم فَصَارَت تِلْكَ سنة العطاس فَمن لم يحمد الله لم يسْتَحق هَذِه الدعْوَة وَلما سبقت هَذِه الْكَلِمَة لآدَم قبل أَن يُصِيبهُ مَا اصابه كَانَ مآله إِلَى الرَّحْمَة وَكَانَ مَا جرى عارضا وَزَالَ فَإِن الرَّحْمَة سبقت الْعقُوبَة وغلبت الْغَضَب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ashrfali.yoo7.com
 
التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة الناس من كتاب بدائع الفوائد لابن القيم
» تفسير سورة الفاتحة تفسير بن القيم 3
» كتاب الفرائض أحمد حطيبة
»  حرمة [الْإِفْتَاءِ فِي دِينِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ] من كتاب إعلام الموقعين
» كتاب كليلة ودمنة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي :: الدرس اليومى-
انتقل الى: