التنجيم وعيافة الطير من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والولاية لابن القيم
وَأما تِلْكَ الحكايات المتضمنة لإصابتهم فِي بعض الْأَحْوَال فليسبب بِأَكْثَرَ من الحكايات عَن أَصْحَاب الْكَشْف والفأل وزجر والطائر وَالضَّرْب بالحصى والطرق والعيافة وَالْكهَانَة والخط والحدس وَغَيرهَا من عُلُوم الْجَاهِلِيَّة وأعنى بالجاهلية كل من لَيْسَ من أَتبَاع الرُّسُل كالفلاسفة والمنجمين والكهان وجاهلية الْعَرَب الَّذين كَانُوا قبل النَّبِي فَأن هَذِه كَانَت علوما لقوم لَيْسَ لَهُم علم بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَمن هَؤُلَاءِ من يزْعم أَنه يَأْخُذ من الْحُرُوف علم الْمَكَان وَلَهُم فِي ذَلِك تصانيف وَكتب حَتَّى يَقُولُونَ إِذا أردْت معرفَة مَا فِي رُؤْيا السَّائِل من خير أَو شَرّ فَخذ أول حرف من كَلَامه الَّذِي يكلمك بِهِ وَفسّر رُؤْيَاهُ على معنى ذَلِك الْحَرْف فَإِن كَانَ أول مَا نطق بِهِ بَاء فرؤياه لِأَن الْبَاء من الْبَهَاء من الْخَيْر أَلا ترَاهَا فِي الْبر وَالْبركَة وبلوغ الآمال والبقاء والبشارة وَالْبَيَان وَالْبخْت فَإِذا كَانَ أول حرف من كَلَامه بَاء فَاعْلَم أَنه قد عاين مَا أبهاه وبشره من الْخيرَات وَإِن كَانَ أول كَلَامه تَاء فقد بشر بالتمام والكمال وَإِن كَانَ ثاء فبشره بالأثاث وَالْمَتَاع لقَوْله تَعَالَى هم أحسن أثاثا ورئيا ثمَّ قَالُوا فَعَلَيْك بِهَذِهِ الأحرف الثَّلَاثَة فَلَيْسَ شَيْء يَخْلُو مِنْهَا ويجاوزها وَإِذا تَأَمَّلت جهل هَؤُلَاءِ رايته شَدِيدا فَكيف حكمُوا على الْبَاء بالبهاء وَالْبركَة دون الْبَأْس والبغى والبين وَالْبَلَاء والبوار والبعد وَكَيف حكمُوا على الثَّاء بالأثاث دون الثّقل والثقل والشلب وَنَحْوه وَكَذَلِكَ استدلاله بِأول مَا يَقع بَصَره عَلَيْهِ كَمَا حكى عَن أبي معشر أَنه وقف هُوَ وَصَاحب لَهُ على وَاحِد من هَؤُلَاءِ وَكَانَا سائرين فِي خلاص مَحْبُوس فَسَأَلَاهُ فَقَالَ أَنْتُمَا فِي طلب خلاص مسجون فعجبا من ذَلِك فَقَالَ لَهُ أَبُو معشر هَل يخلص أم لَا فَقَالَا تذهبان تلتقيانه قد خلص فوجدا الْأَمر كَمَا قَالَ فاستدعاه أَبُو معشر وأكرمه وتلطف لَهُ فِي السُّؤَال عَن كَيْفيَّة علم ذَلِك فَقَالَ نَحن نَأْخُذ الفأل بِالْعينِ وَالنَّظَر فَينْظر أَحَدنَا إِلَى الأَرْض ثمَّ يرفع رَأسه فَأول شَيْء يَقع نظره عَلَيْهِ يكون الحكم بِهِ فَلَمَّا سألتماني كَانَ أول مَا رَأَيْت مَاء فِي قربَة فَقلت
هَذَا مَحْبُوس ثمَّ لما سألتماني فِي الثَّانِيَة نظرت فَإِذا هُوَ أفرغ من الْقرْبَة فَقلت يخلص ويصيب تَارَة ويخطىء تَارَة
وَمن هَذَا أَخذ بَعضهم الْجَواب عَن التفاؤل بِالْأَيَّامِ فَإِذا رأى أحد رُؤْيا مثلا يَوْم أحد أَو ابْتَدَأَ فِيهِ امرا قَالَ حِدة وَقُوَّة وَإِن كَانَ يَوْم الْجُمُعَة قَالَ اجْتِمَاع والفة وَإِن كَانَ يَوْم سبت قَالَ قطع وَفرْقَة
وَمن هَذَا اسْتِدْلَال الْمَسْئُول بِالْمَكَانِ الَّذِي يضع السَّائِل يَده عَلَيْهِ من جسده وَقت السُّؤَال فَإِن وضع يَده على رَأسه فَهُوَ رئيسه وكبيره وَالرّجلَيْنِ قوامه وَالْأنف بِنَاء مُرْتَفع أَو تل أَو نَحوه والفم بِئْر عذبة اللِّحْيَة أَشجَار وزروع وعَلى هَذَا النَّحْو من ذَلِك مَا حكى عَن المهدى أَنه رأى رُؤْيا وأنسيها فَأصْبح مغتما بهَا فَدلَّ على رجل كَانَ يعرف الزّجر والفأل وَكَانَ حاذقا بِهِ واسْمه خويلد فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أخبرهُ بِالَّذِي أَرَادَهُ لَهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب الزّجر والفأل ينظر إِلَى الْحَرَكَة وأخطار النَّاس فَغَضب الْمهْدي وَقَالَ سُبْحَانَ الله أحدكُم يذكر بِعلم وَلَا يدْرِي مَا هُوَ وَمسح يَده على رَأسه وَوَجهه وَضرب بهَا على فَخذه فَقَالَ لَهُ أخْبرك برؤياك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَات قَالَ رَأَيْت كَأَنَّك صعدت جبلا فَقَالَ الْمهْدي لله ابوك يَا سحار صدقت قَالَ مَا أَنا بساحر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ غير أَنَّك مسحت بِيَدِك على رَأسك فزجرت لَك وَعلمت أَن الرَّأْس لَيْسَ فَوْقه أحد إِلَّا السَّمَاء فَأَوَّلْته بِالْجَبَلِ ثمَّ نزلت بِيَدِك إِلَى جبهتك فزجرت لَك بنزولك إِلَى أَرض ملساء فِيهَا عينان مالحتان ثمَّ انحدرت إِلَى سفح الْجَبَل فَلَقِيت رجلا من فخذك قُرَيْش لِأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ مسح بعد ذَلِك بِيَدِهِ على فَخذه فَعلمت أَن الرجل الَّذِي لقِيه من قرَابَته قَالَ صدقت وَأمر لَهُ بِمَال وَأمر أَن لَا يحجب عَنهُ
وَمن ذَلِك هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الطير السانح والبارح والقعيد والناطح وأصل هَذَا أَنهم كَانُوا يزجرون الطير والوحش ويثيرونها فَمَا تيامن مِنْهَا وَأخذ ذَات الْيَمين سموهُ سانحا وَمَا تياسر مِنْهَا سموهُ بارحا وَمَا اسْتَقْبَلَهُمْ مِنْهَا فَهُوَ الناطح وَمَا جَاءَهُم من خَلفهم سموهُ القعيد فَمن الْعَرَب من يتشاءم بالبارح ويتبرك بالسانح وَمِنْهُم من يرى خلاف ذَلِك قَالَ الْمَدَائِنِي سَأَلت رؤبة بن العجاج مَا السانح قَالَ مَا ولاك ميامنه قَالَ قلت فَمَا البارح قَالَ مَا ولاك مياسره قَالَ وَالَّذِي يَجِيء من قدامك فَهُوَ الناطح والنطيح وَالَّذِي يجىء من خَلفك فَهُوَ الْقَاعِد والقعيد وَقَالَ الْمفضل الضَّبِّيّ البارح مَا يَأْتِيك عَن الْيَمين يُرِيد يسارك والسانح مَا يَأْتِيك عَن الْيَسَار فيمر على الْيَمين وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي مراتبها ومذاهبها لِأَنَّهَا خواطر وحدوس وتخمينات لَا أصل لَهَا فَمن تبرك بِشَيْء مدحه وَمن تشاءم بِهِ ذمه وَمن اشْتهر بِإِحْسَان الزّجر عِنْدهم ووجوهه حَتَّى قَصده النَّاس بالسؤال عَن حوادثهم وَمَا أَملوهُ من أَعْمَالهم سموهُ عائفا وعرافا وَقد كَانَ فِي الْعَرَب جمَاعَة يعْرفُونَ بذلك كعراف الْيَمَامَة والأبلق الأسيدى وَالْأَجْلَح وَعُرْوَة بن يزِيد وَغَيرهم فَكَانُوا يحكمون بذلك ويعملون بِهِ ويتقدمون ويتأخرون فِي جَمِيع مَا يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ ويتصرفون فِي حَال الْأَمْن وَالْخَوْف وَالسعَة والضيق وَالْحَرب وَالسّلم فان أنجحوا فِيمَا يتفاءلون بِهِ مدحوه وداوموا عَلَيْهِ وَإِن عطبوا فِيهِ تَرَكُوهُ وذموه وَمِنْهُم من أنكرها بعقله وأبطل تأثيرها بنظره وذم من اغتربها وَاعْتمد عَلَيْهَا وتوهم تأثيرها فَمنهمْ الرقشى حَيْثُ يَقُول:
وَلَقَد غَدَوْت وَكنت لَا ... أغدو عل واق وحاتم
فَإِذا الاشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
وكذاك لَا خير وَلَا ... شَرّ على أحد بدائم
لَا يمنعنك من بغا ... ء الْخَيْر تعقاد التمائم
قد خطّ ذَلِك فِي السطو ... ر الأوليات القدائم
وَقَالَ جهم الْهُذلِيّ:
ألم تَرَ أَن العائفين وَإِن جرت ... لَك الطير عَمَّا فِي غذ عُمْيَان
يظنان ظنا مرّة يخطيانه ... وَأُخْرَى على بعض الَّذِي يصفان
قضى الله أَن لَا يعلم الْغَيْب غَيره ... فَفِي أَي أَمر الله يمتريان
وَقَالَ آخر:
وَمَا أَنا مِمَّن يزْجر الطير همه ... أطار غراب أم تعرض ثَعْلَب
وَلَا السانحات البارحات عَشِيَّة ... أَمر سليم الْقرن أم مر أعضب
وَقَالَ آخر يمدح منكرها:
وَلَيْسَ بهياب إِذا ش ... لَهُ يَقُول عداني الْيَوْم واق وحاتم
وَلكنه يمْضِي على ذَاك مقدما ... إِذا حاد عَن تِلْكَ الهنات الختارم
يَعْنِي بالواق الصرد وبالحاتم الْغُرَاب سموهُ حاتما لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدهم يحتم بالفراق والختارم الْعَاجِز الضَّعِيف الرَّأْي المتطير
وَقد شفى النَّبِي أمته فِي الطَّيرَة حَيْثُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ ذَاك شَيْء يجده أحدكُم فَلَا يصدنه وَفِي أثر آخر إِذا تطيرت فَلَا ترجع أَي أمض لما قصدت لَهُ وَلَا يصدنك عَنهُ الطَّيرَة وَاعْلَم أَن التطير إِنَّمَا يضر من أشْفق مِنْهُ وَخَافَ وَأما من لم يبال بِهِ وَلم يعبأ بِهِ شَيْئا لم يضرّهُ الْبَتَّةَ وَلَا سِيمَا أَن قَالَ عِنْد رُؤْيَة مَا يتطير بِهِ أَو سَمَاعه اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْت وَلَا يذهب بالسيئات إِلَّا أَنْت وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك فالطيرة بَاب من الشّرك والقاء الشَّيْطَان وتخويفه ووسوسته يكبر ويعظم شَأْنهَا على من اتبعها نَفسه واشتغل بهَا وَأكْثر الْعِنَايَة بهَا وَتذهب وتضمحل عَمَّن لم يلْتَفت إِلَيْهَا وَلَا القى إِلَيْهَا باله وَلَا شغل بهَا نَفسه وفكره وَاعْلَم أَن من كَانَ معتنيا بهَا قَائِلا بهَا كَانَت إِلَيْهِ أسْرع من السَّيْل الى منحدر فتحت لَهُأَبْوَاب الوساوس فِيمَا يسمعهُ وَيَرَاهُ ويعطاه وَيفتح لَهُ الشَّيْطَان فِيهَا من المناسبات الْبَعِيدَة والقريبة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى مَا يفْسد عَلَيْهِ دينه وينكد عَلَيْهِ عيشه فَإِذا سمع سفر جلا أَو أهْدى إِلَيْهِ تطير بِهِ وَقَالَ سفر وجلاء وَإِذا رأى ياسمينا أَو سمع اسْمه تطير بِهِ وَقَالَ يأس ومين وَإِذا رأى سوسنة أَو سَمعهَا قَالَ سوء يبْقى سنه وَإِذا خرج من دَاره فَاسْتَقْبلهُ أَعور أَو أشل أَو أعمى أَو صَاحب آفَة تطير بِهِ وتشاءم بيومه ويحكى عَن بعض الْوُلَاة أَنه خرج فِي بعض الْأَيَّام لبَعض مهماته فَاسْتَقْبلهُ رجل أَعور فتطير بِهِ وَأمر بِهِ إِلَى الْحَبْس فَلَمَّا رَجَعَ من مهمه وَلم يلق شرا أَمر باطلاقه فَقَالَ لَهُ سَأَلتك بِاللَّه مَا كَانَ جرمى الذى حبستنى لأَجله فَقَالَ لَهُ الوالى لم يكن لَك عندنَا جرم وَلَكِن تطيرت بك لما رَأَيْتُك فَقَالَ فَمَا أصبت فِي يَوْمك برؤيتى فَقَالَ مِمَّا لم ألق إِلَّا خيرا فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير أَنا خرجت من منزلى فرايتك فَلَقِيت فِي يومى الشَّرّ وَالْحَبْس وَأَنت رأيتنى فَلَقِيت فِي يَوْمك الْخَيْر وَالسُّرُور فَمن أشأمنا والطيرة بِمن كَانَت فاستحيا مِنْهُ الوالى وَوَصله
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجى لم أر أَشد تطيرا من ابْن الرومى الشَّاعِر وَكَانَ قد تجَاوز الْحَد فِي ذَلِك فعاتبته يَوْمًا على ذَلِك فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم الفأل لِسَان الزَّمَان والطيرة عنوان الْحدثَان وَهَذَا جَوَاب من استحكمت علته فعجز عَنْهَا وَهُوَ أَيْضا بِمَنْزِلَة من قد غلبته الوساوس فِي الطَّهَارَة فَلَا يلْتَفت إِلَى علم وَلَا إِلَى نَاصح وَهَذِه حَال من تقطعت بِهِ أَسبَاب التَّوَكُّل وتقلص عَنهُ لِبَاسه بل تعرى مِنْهُ وَمن كَانَ هَكَذَا فالبلايا إِلَيْهِ أسْرع والمصائب بِهِ أعلق والمحن لَهُ ألزم بِمَنْزِلَة صَاحب الدمل والقرحة الذى يهدى إِلَى قُرْحَته كل مؤذ وكل مصادم فَلَا يكَاد يصدم من جسده اَوْ يصاب غَيرهَا والمتطير مُتْعب الْقلب منكد الصَّدْر كاسف البال سيء الْخلق يتخيل من كل مَا يرَاهُ أَو يسمعهُ أَشد النَّاس خوفًا وأنكدهم عَيْشًا وأضيق النَّاس صَدرا وأحزنهم قلبا كثير الِاحْتِرَاز والمراعاة لما لَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ وَكم قد حرم نَفسه بذلك من حَظّ ومنعها من رزق وَقطع عَلَيْهَا من فَائِدَة وَيَكْفِيك من ذَلِك قصَّة النَّابِغَة مَعَ زِيَاد بن سيار الفزارى حِين تجهز إِلَى الْغَزْو فَلَمَّا أَرَادَ الرحيل نظر النَّابِغَة إِلَى جَرَادَة قد سَقَطت عَلَيْهِ فَقَالَ جَرَادَة تجرد وَذَات ألوان عَزِيز من خرج من هَذَا الْوَجْه وَنفذ زِيَاد لوجهه وَلم يتطير فَلَمَّا رَجَعَ زِيَاد سالما غانما أنشأ يَقُول 0
تخير طيرة فِيهَا زِيَاد ... ليخبره وَمَا فِيهَا خَبِير
أَقَامَ كَانَ لُقْمَان بن عَاد ... أَشَارَ لَهُ بِحِكْمَتِهِ مشير
تعلم أَنه لَا طير إِلَّا ... على متطير وَهُوَ الثبور
بلَى شىء يُوَافق بعض شَيْء ... أحيايينا وباطله كثير
وَلم يحك الله التطير إِلَّا عَن أَعدَاء الرُّسُل كَمَا قَالُوا لرسلهم انا تطيرنا بكم لَئِن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عَذَاب أَلِيم قَالُوا طائركم مَعكُمْ أئن ذكرْتُمْ بل أَنْتُم قوم مسرفون
وَكَذَلِكَ حكى الله سُبْحَانَهُ عَن قوم فِرْعَوْن فَقَالَ فَإِذا جَاءَتْهُم الْحَسَنَة قَالُوا لنا هَذِه وَأَن تصبهم سَيِّئَة يطيروا بمُوسَى وَمن مَعَه أَلا إِنَّمَا طائرهم عِنْد الله حَتَّى إِذا أَصَابَهُم الخصب وَالسعَة والعافية قَالُوا لنا هَذِه أى نَحن الجديرون الحقيقون بِهِ وَنحن أَهله وَإِن أَصَابَهُم بلَاء وضيق وقحط وَنَحْوه قَالُوا هَذَا بِسَبَب مُوسَى وَأَصْحَابه أصبْنَا بشؤمهم ونفض علينا غبارهم كَمَا يَقُوله المتطير لمن يتطير بِهِ فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن طائرهم عِنْده كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن أَعدَاء رَسُوله وَإِن تصبهم حَسَنَة يَقُولُوا هَذِه من عِنْد الله وَأَن تصبهم سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِه من عنْدك فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاضِع حكى فِيهَا التطير عَن أعدائه وَأجَاب سُبْحَانَهُ عَن تطيرهم بمُوسَى وَقَومه بِأَن طائرهم عِنْد الله لَا بِسَبَب مُوسَى وَأجَاب عَن تطير أَعدَاء رَسُول الله بقوله قل كل من عِنْد الله وَأجَاب عَن الرُّسُل بقوله إِلَّا طائركم مَعكُمْ وَأما قَوْله أَلا إِنَّمَا طائركم عِنْد الله فَقَالَ ابْن عَبَّاس طائرهم مَا قضى عَلَيْهِم وَقدر لَهُم وَفِي رِوَايَة شؤمهم عِنْد الله وَمن قبله أى إِنَّمَا جَاءَهُم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته وَرُسُله وَقَالَ أَيْضا ان الأزراق والأقدار تتبعكم وَهَذِه كَقَوْلِه تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج أى مَا يطير لَهُ من الْخَيْر وَالشَّر فَهُوَ لَازم لَهُ فِي عُنُقه وَالْعرب تَقول جرى لَهُ الطَّائِر بِكَذَا من الْخَيْر وَالشَّر قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الطَّائِر عِنْدهم الْحَظ وَهُوَ الذى تسميه الْعَامَّة البخت يَقُولُونَ هَذَا يطير لفُلَان أى يحصل لَهُ قلت وَمِنْه الحَدِيث فطار لنا عُثْمَان بن مَظْعُون أى أَصَابَنَا بِالْقُرْعَةِ لما اقترع الْأَنْصَار على نزُول الْمُهَاجِرين عَلَيْهِم وَفِي حَدِيث رويفع ابْن ثَابت حَتَّى أَن أَحَدنَا ليطير لَهُ النصل والريش وَالْآخر الْقدح أى يحصل لَهُ بِالشّركَةِ فِي الْغَنِيمَة وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه أَن الطَّائِر هَهُنَا هُوَ الْعَمَل قَالَه الْفراء وَهُوَ يتَضَمَّن الرَّد على نَفَاهُ الْقدر وَخص الْعُنُق بذلك من بَين سَائِر أَجزَاء الْبدن لِأَنَّهَا مَحل الطوق الَّذِي يطوقه الْإِنْسَان فِي عُنُقه فَلَا يَسْتَطِيع فكاكه وَمن هَذَا يُقَال إِثْم هَذَا فِي عُنُقك وَافْعل كَذَا واثمه فِي عنقِي وَالْعرب تَقول طوقها طوق الْحَمَامَة وَهَذَا ربقة فِي رقبته وَعَن الْحسن بن آدم لتنظر لَك صحيفَة إِذا بعثت قلدتها فِي عُنُقك فخصوا الْعُنُق بذلك لِأَنَّهُ مَوضِع القلادة والتميمة واستعمالهم التَّعَالِيق فِيهَا كثير كَمَا خصت الأيدى بِالذكر فِي نَحْو بِمَا كسبت أيدكم بِمَا قدمت يداك وَنَحْوه وَقيل الْمَعْنى أَن الشؤم الْعَظِيم هُوَ الَّذِي لَهُم عِنْد الله من عَذَاب النَّار وَهُوَ الَّذِي أَصَابَهُم فِي الدُّنْيَا وَقيل الْمَعْنى أَن سَبَب شؤمهم عِنْد الله وَهُوَ عَمَلهم الْمَكْتُوب عِنْده الَّذِي يجرى عَلَيْهِ مَا يسوؤهم ويعاقبون عَلَيْهِم بعد مَوْتهمْ بِمَا وعدهم الله وَلَا طَائِر أشأم من هَذَا وَقيل حظهم ونصيبهم وَهَذَا لَا يُنَاقض قَول الرُّسُل طائركم مَعكُمْ أى حظكم وَمَا نالكم من خير وَشر مَعكُمْ بِسَبَب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين لَيْسَ هُوَ من أجلنا وَلَا بسببنا بل ببغيكم وعدوانكم فطائر الباغى الظَّالِم مَعَه وَهُوَ عِنْد الله كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَن تصبهم سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِه من عنْدك قل كل من عِنْد الله فَمَا لهَؤُلَاء الْقَوْم لَا يكادون يفقهُونَ حَدِيثا وَلَو فقهوا اَوْ فَهموا لما تطيروا بِمَا جِئْت بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول مَا يقتضى الطَّيرَة فَإِنَّهُ كُله خير مَحْض لَا شَرّ فِيهِ وَصَلَاح لَا فَسَاد فِيهِ وَحكمه لَا عَبث فِيهَا وَرَحْمَة لاجور فِيهَا فَلَو كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم من أهل الْفَهم والعقول السليمة لم يتطيروا من هَذَا فَإِن الطَّيرَة إِنَّمَا تكون بِالشَّرِّ لَا بِالْخَيرِ الْمَحْض والمصلحة وَالْحكمَة وَالرَّحْمَة وَلَيْسَ فِيمَا أتيتهم بِهِ لَو فَهموا مَا يُوجب تطيرهم بل طائرهم مَعَهم بِسَبَب كفرهم وشركهم وبغيهم وَهُوَ عِنْد الله كَسَائِر حظوظهم وأنصبائهم الَّتِى يتناولوها مِنْهُ باعمالهم وكسبهم وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى طائركم مَعكُمْ أى رَاجع عَلَيْكُم فالطير الَّذِي حصل لكم إِنَّمَا يعود عَلَيْكُم وَهَذَا من بَاب الْقصاص فِي الْكَلَام مثل قَوْله فِي الحَدِيث أَخذنَا فالك من فِيك وَنَظِيره قَول النَّبِي إِذا سلم عَلَيْكُم أهل الْكتاب فَقولُوا وَعَلَيْكُم فعلى هَذَا معنى طائركم مَعكُمْ اى تصيبكم طيرتكم الَّتِى تطيرتم بهَا لأَنهم اعتقدوا الشؤم فِيهَا وَلَا شُؤْم فِيهَا الْبَتَّةَ فَقيل لَهُم الشؤم مِنْكُم وَهُوَ نَازل بكم فَتَأَمّله وَهَذَا يشبه قَوْله تَعَالَى وَقد مكروا مَكْرهمْ وَعند الله مَكْرهمْ وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لنزول مِنْهُ الْجبَال قيل جَزَاء مَكْرهمْ عِنْده فمكر بهم كَمَا مكا مكروا برسله ومكره تَعَالَى بهم إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب مَكْرهمْ فَهُوَ مَكْرهمْ عَاد عَلَيْهِم وكيدهم عَاد عَلَيْهِم فَهَكَذَا طيرتهم عَادَتْ عَلَيْهِم وحلت بهم وسمى جَزَاء الْمَكْر مكرا وَجَزَاء الكيد كيدا تَنْبِيها على أَن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل وَلما ذكر سُبْحَانَهُ أَن مَا أَصَابَهُم من حَسَنَة وسيئة أى نعْمَة ومحنة فَالْكل مِنْهُ تَعَالَى بِقَضَائِهِ وَقدره فكأنهم قَالُوا فَمَا بالك أَنْت تصبيك الْحَسَنَات والسيئات كَمَا تصيبنا فَذكر سُبْحَانَهُ أَن مَا أَصَابَهُ من حَسَنَة فَمن الله من بهَا عَلَيْهِ وأنعم بهَا عَلَيْهِ وَمَا أَصَابَهُ من سَيِّئَة فَمن نَفسه أى بِسَبَب من قبله أى لَا لنَقص مَا جَاءَ بِهِ وَلَا لشر فِيهِ وَلَا لشؤم يقتضى أَن تصيبه السَّيئَة بل بِسَبَب من نَفسه وَمن قبله وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى طائركم عِنْد الله بل أَنْتُم قوم تفتنون أَن طائرهم هَهُنَا هُوَ السَّبَب الَّذِي يجىء فِيهِ خَيرهمْ وشرهم فَهُوَ عِنْد الله وَحده وَهُوَ قدره وقسمه إِن شَاءَ رزقكم وعافاكم وَإِن شَاءَ حرمكم وابتلاكم وَمن هَذَا قَالُوا طَائِر الله لَا طَائِر كلبى قدر الله الْغَالِب الَّذِي يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ وَيصرف السَّيِّئَات وَمِنْه اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك وعَلى هَذَا فَالْمَعْنى بطائركم نصيبكم وحظكم الَّذِي يطيركم وَمن فسره بِالْعَمَلِ فَالْمَعْنى طائركم الَّذِي طَار عَنْكُم من أَعمالكُم بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فسر معنى قَوْله تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَأَنه مَا طَار عَنهُ من عمله أَو صَار لَازِما لَهُ مِمَّا قضى الله عَلَيْهِ وَقدر عَلَيْهِ وَكتب لَهُ من الرزق وَالْأَجَل والشقاوة والسعادة 0 فصل
وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي أَنه قَالَ فِي وصف السّبْعين ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب أَنهم الَّذين لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ زَاد مُسلم وَحده وَلَا يرقون فَسمِعت شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية يَقُول هَذِه الزِّيَادَة وهم من الراوى لم يقل النَّبِي وَلَا يرقون لِأَن الراقي محسن إِلَى أَخِيه وَقد قَالَ النَّبِي وَقد سُئِلَ عَن الرقي فَقَالَ من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن ينفع أَخَاهُ فلينفعه وَقَالَ لَا بَأْس بالرقي مالم يكن شركا وَالْفرق بَين الراقي والمسترقي أَن المسترقي سَائل مسْقط ملتفت إِلَى غير الله بِقَلْبِه والراقي محسن نَافِع
قلت وَالنَّبِيّ لَا يَجْعَل ترك الْإِحْسَان الْمَأْذُون فِيهِ سَببا للسبق إِلَى الْجنان وَهَذَا بِخِلَاف ترك الإسترقاء فَإِنَّهُ توكل على الله ورغبة عَن سُؤال غَيره ورضاء بِمَا قَضَاهُ وَهَذَا شَيْء وَهَذَا شَيْء وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي لَا عدوى وَلَا طيرة وَأحب الفال الصَّالح وَنَحْوه من حَدِيث انس وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون نفيا وَأَن يكون نهيا أى لَا تطيروا وَلَكِن قَوْله فِي الحَدِيث وَلَا عدوى وَلَا صفر وَلَا هَامة يدل على أَن المُرَاد النفى وَإِبْطَال هَذِه الْأُمُور الَّتِى كَانَت الْجَاهِلِيَّة تعانيها وَالنَّفْي فِي هَذَا أبلغ من النهى لِأَن النَّفْي يدل على بطلَان ذَلِك وَعدم تَأْثِيره والنهى إِنَّمَا يدل على الْمَنْع مِنْهُ وَقد روى ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث سُفْيَان عَن سَلمَة عَن عِيسَى بن عَاصِم عَن ذَر عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله الطَّيرَة شرك وَمَا منا وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل وَهَذِه اللَّفْظَة وَمَا منا إِلَى آخِره مدرجة فِي الحَدِيث لَيست من كَلَام النَّبِي كَذَلِك قَالَه بعض الْحفاظ وَهُوَ الصَّوَاب فَإِن الطَّيرَة نوع من الشّرك كَمَا هُوَ فِي أثر مَرْفُوع من ردته الطَّيرَة فقد قَارن الشّرك وَفِي أثر من أرجعته الطَّيرَة من حَاجَة فقد أشرك قَالُوا وَمَا كَفَّارَة ذَلِك قَالَ أَن يَقُول أحدكُم اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السلمى أَنه قَالَ يَا رَسُول الله وَمنا أنَاس يَتَطَيَّرُونَ فَقَالَ ذَلِك شَيْء يجده أحدكُم فِي نَفسه فَلَا يصدنه فَأخْبر أَن تأذية وتشاؤمه بالتطير إِنَّمَا هُوَ فِي نَفسه وعقيدته لافي المتطير بِهِ فوهمه وخوفه وإشراكه هُوَ الَّذِي يطيره ويصده لَا مَا رَآهُ وسَمعه فأوضح لأمته الْأَمر وَبَين لَهُم فَسَاد الطَّيرَة ليعلموا أَن الله سُبْحَانَهُ لم يَجْعَل لَهُم عَلَيْهَا عَلامَة وَلَا فِيهَا دلَالَة وَلَا نصبها سَببا لما يخافونه ويحذرونه لتطمئن قُلُوبهم ولتسكن نُفُوسهم إِلَى وحدانيتة تَعَالَى الَّتِى أرسل بهَا رسله وَأنزل بهَا كتبه وَخلق لأَجلهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَعمر الدَّاريْنِ الْجنَّة وَالنَّار فبسبب التَّوْحِيد وَمن أَجله جعل الْجنَّة دَار التَّوْحِيد وموجباته وحقوقه وَالنَّار دَار الشّرك وَلَو ازمه وموجباته فَقطع علق الشّرك من قُلُوبهم لِئَلَّا يبْقى فِيهَا علقَة مِنْهَا وَلَا يتلبسوا بِعَمَل من أَعمال أَهله الْبَتَّةَ
وَفِي الحَدِيث الْمَعْرُوف أَقُول على مكانتها قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي الْغَرِيب أَرَادَ لَا تزجروها وَلَا تلتفتوا إِلَيْهَا أقروها على موَاضعهَا الَّتِي جعلهَا الله لَهَا وَلَا تتعدوا ذَلِك إِلَى غَيره أَي أَنَّهَا لَا تضر وَلَا تَنْفَع وَقَالَ غَيره الْمَعْنى أقروها على أمكنتها فَإِنَّهُم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ أحدهم سفرا أَو امرا من الْأُمُور أثار الطير من أوكارها لينْظر أَي وَجه تسلك وَإِلَى نَاحيَة تطير فان خرجت ذَات الْيَمين خرج لسفره وَمضى لأَمره وَإِن أخذت ذَات الشمَال رَجَعَ وَلم يمض فَأَمرهمْ أَن يقروها فِي أمكنتها وأبطل فعلهم ذَلِك ونهاهم عَنهُ كَمَا أبطل الاستقسام بالأزلام
وَقَالَ ابْن جرير معنى ذَلِك أقرُّوا الطير الَّتِي تزجرونها فِي موَاضعهَا المتمكنة فِيهَا الَّتِي هِيَ لَهَا مُسْتَقر وامضوا لأموركم فان زجركم إِيَّاهَا غير مجد عَلَيْكُم نفعا وَلَا دَافع عَنْكُم ضَرَرا قَالَ هَؤُلَاءِ فَلَعَلَّ الرَّاوِي سمع أقرّ الطير فِي وكناتها بِالْوَاو وَلِأَن وكنات الطير عشها وَحَيْثُ تسْقط عَلَيْهِ من الشّجر وتأوى إِلَيْهِ وَفِي اثر آخر ثَلَاث من كن فِيهِ لم ينل الدَّرَجَات العلى من تكهن أَو استقسم أَو رَجَعَ من سفر من طيرة وَقد رفع هَذَا الحَدِيث فَمن استمسك بِعُرْوَة التَّوْحِيد الوثقى واعتصم بحبله المتين وتوكل على الله قطع بِأَحْسَن الطَّيرَة من قبل استقرارها وبادر خواطرها من قبل استمكانها قَالَ عِكْرِمَة كُنَّا جُلُوسًا عِنْد ابْن عَبَّاس فَمر طَائِر يَصِيح فَقَالَ رجل من الْقَوْم خير خير فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس لَا خير وَلَا شَرّ مبادرة بالإنكار عَلَيْهِ لِئَلَّا يعْتَقد لَهُ تَأْثِيرا فِي الْخَيْر أَو الشَّرّ وَخرج طَاوُوس مَعَ صَاحب لَهُ فِي سفر فصاح غراب فَقَالَ الرجل خير فَقَالَ طَاوُوس وَأي خير عِنْده وَالله لَا تصحبني وَقيل لكعب هَل تتطير فَقَالَ نعم فَقيل لَهُ فَكيف تَقول إِذا تطيرت قَالَ أَقُول اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا غَيْرك وَلَا قُوَّة إِلَّا بك وَكَانَ بعض السّلف يَقُول عِنْد ذَلِك طير الله لَا طيرك وصياح الله لَا صياحك وَمَسَاء الله لامساك وَقَالَ ابْن عبد الحكم لما خرج عمر بن عبد الْعَزِيز من الْمَدِينَة قَالَ مُزَاحم فَنَظَرت فَإِذا الْقَمَر فِي الدبر ان فَكرِهت أَن اقول لَهُ فَقلت أَلا تنظر إِلَى الْقَمَر مَا أحسن استواءه فِي هَذِه اللَّيْلَة قَالَ فَنظر عمر فَإِذا هُوَ فِي الدبران فَقَالَ كَأَنَّك اردت أَن تعلمني أَن الْقَمَر فِي الدبران يَا مُزَاحم إِنَّا لَا نخرج بشمس وَلَا بقمر وَلَكنَّا نخرج بِاللَّه الْوَاحِد القهار فان قيل فَمَا تَقولُونَ فِيمَا روى عَن النَّبِي أَنه كَانَ يسْتَحبّ الفأل فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس وَأبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي لَا عدوى وَلَا طيرة وَخَيرهَا الفأل وَفِي لفظ وَأصْدقهَا الفال وَفِي لفظ وَكَانَ يُعجبهُ الفأل وَفِي لفظ مُسلم ويعجبني الفأل الصَّالح أَي الْكَلِمَة الْحَسَنَة وَقَالَ إِذا أبردتم إِلَى بريدا فَاجْعَلُوهُ حسن الإسم حسن الْوَجْه وروى عَن يحيى بن سعيد أَن رَسُول الله قَالَ للقحة تحلب من يحلب هَذِه فَقَامَ رجل فَقَالَ النَّبِي مَا إسمك فَقَالَ الرجل مرّة فَقَالَ النَّبِي إجلس ثمَّ قَالَ من يجلب هَذِه فَقَامَ رجل فَقَالَ النَّبِي مَا إسمك فَقَالَ الرجل حَرْب فَقَالَ لَهُ النَّبِي إجلس ثمَّ قَالَ من يجلب هَذِه فَقَامَ رجل فَقَالَ لَهُ النَّبِي مَا إسمك فَقَالَ الرجل يعِيش فَقَالَ لَهُ النَّبِي يعِيش احلب فَحلبَ زَاد ابْن وهب فِي جَامِعَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ أَتكَلّم يَا رَسُول الله أم اصمت قَالَ بل اصمت وأخبرك بِمَا أردْت ظَنَنْت يَا عمر أَنَّهَا طيرة وَلَا طير إِلَّا طيرة وَلَا خير إِلَّا خَيره وَلَكِن أحب الفأل وَفِي جَامع ابْن وهب أَن
رَسُول الله أَتَى بِغُلَام فَقَالَ مَا سميتم هَذَا الْغُلَام فَقَالُوا السَّائِب فَقَالَ لَا تسموه السَّائِب وَلَكِن عبد الله قَالَ فغلبوا على اسْمه فَلم يمت حَتَّى ذهب عقله وصحيح البُخَارِيّ من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن سعيد ابْن الْمسيب عَن أَبِيه أَن أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِي فَقَالَ مَا إسمك قَالَ حزن قَالَ أَنْت سهل قَالَ لَا أغير اسْما اسمانيه أبي قَالَ ابْن الْمسيب فَمَا زَالَت الحزونة فِينَا بعد وروى مَالك عَن يحيى بن سعيد أَن عمر بن الْخطاب قَالَ لرجل مَا اسْمك قَالَ جَمْرَة قَالَ ابْن من قَالَ ابْن شهَاب فَقَالَ مِمَّن قَالَ من الحرقة قَالَ أَيْن مسكنك قَالَ بحرة النَّار قَالَ بأيها قَالَ بِذَات لظى فَقَالَ لَهُ عمر أدْرك أهلك فقد احترقوا فَكَانَ كَمَا قَالَ عمر وَفِي غير رِوَايَة مَالك هَذِه الْقِصَّة عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ جَاءَ رجل من جُهَيْنَة إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمك قَالَ شهَاب قَالَ ابْن من قَالَ ابْن جَمْرَة قَالَ ابْن من قَالَ ابْن ضرّ ام قَالَ مِمَّن قَالَ من الحرقة قَالَ وَأَيْنَ مَنْزِلك قَالَ بحرة النَّار قَالَ وَيحك أدْرك مَنْزِلك أَو أهلك فقد احترقوا قَالَ فَأَتَاهُم فألفاهم قد احْتَرَقَ عامتهم وَقَالَت عَائِشَة كَانَ رَسُول الله يُعجبهُ التَّيَمُّن مَا اسْتَطَاعَ فِي تنعله وَترَجله ووضوئه وَفِي شَأْنه كُله وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ الشؤم فِي ثَلَاث فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالدَّابَّة وَفِي الصَّحِيح ايضا من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله قَالَ إِن كَانَ فَفِي الْفرس وَالْمَرْأَة والمسكن يَعْنِي الشؤم وَفِي الْمُوَطَّأ عَن يحيى بن سعيد قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله دَار سكناهَا وَالْعدَد كثير وَالْمَال وافر فَقل الْعدَد وَذهب المَال فَقَالَ رَسُول الله دَعُوهَا ذميمة وَلما رأى النَّبِي يَوْم أحد فرسا قد لوح بِذَنبِهِ وَرجل قد استل سَيْفه فَقَالَ لَهُ شم سَيْفك فَأَنِّي أرى السيوف ستسل الْيَوْم وَكَذَلِكَ قَوْله لما رمى وَاقد ابْن عبد الله عمر بن الْحَضْرَمِيّ فَقتله فَقَالَ وقدت الْحَرْب وعامر عمرت الْحَرْب وَابْن الْحَضْرَمِيّ حضرت الْحَرْب وَلما خرج النَّبِي إِلَى بدر اسْتقْبل فِي طَرِيقه جبلين فَسَأَلَ عَنْهُمَا فَقَالُوا اسْم أَحدهمَا مسلح والأخر مخرىء وأهلهما بَنو النَّار وَبَنُو محراق فكره الْمُرُور عَلَيْهِمَا وتركهما على يسَاره وسلك ذَات الْيَمين وَعرض عبد الله بن جَعْفَر مَالا لَهُ على مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ الدعان وَقَالَ لَهُ اشتره مني فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة هَذَا مَال يَقُول دَعْنِي وَلم نزل الْحُسَيْن بن عَليّ بكر بلَاء قَالَ مَا اسْم هَذَا الْموضع قَالُوا كربلاء قَالَ كرب وبلاء وَلما خرج عبد الله بن الزبير من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة أنْشدهُ أحد أخوية
وكل بني أم سيمسون لَيْلَة ... وَلم يبْق من أغنامهم غير وَاحِد
فَقَالَ لَهُ عبد الله مَا أردْت إِلَى هَذَا قَالَ لم أتعمده قَالَ هُوَ أَشد على وَقد كره السّلف وَمن بعدهمْ أَن يتبع الْمَيِّت بِنَار إِلَى قَبره من مجمر أَو غَيره وَفِي مَعْنَاهُ الشمع قَالَت عَائِشَة لَا تجْعَلُوا آخر زَاده أَن تَتبعُوهُ بالنَّار وَلما بَايع طَلْحَة بن عبيد الله عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ أول من بَايع قَالَ رجل أول يَد بايعته يَد شلاء لَا يتم هَذَا الْأَمر لَهُ وَلما بعث عَليّ رَضِي الله عَنهُ معقل بن قيس الرباحي من الْمَدَائِن فِي ثَلَاثَة آلَاف وَأمره أَن يَأْخُذ على الْموصل وَيَأْتِي نَصِيبين وَرَأس عين حِين يَأْتِي الرقة فيقيم بهَا فَسَار معقل حَتَّى نزل الحديثة فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم جَالِسا إِذْ نظر إِلَى كبشين يتناطحان حَتَّى جَاءَ رجلَانِ فَأخذ كل مِنْهُمَا كَبْشًا فَذهب بِهِ فَقَالَ شَدَّاد بن أبي ربيعَة الْخَثْعَمِي ستصرفون من وجهكم هَذَا لَا تغلبون وَلَا تغلبون لافتراق الكبشين سليمين فَكَانَ كَذَلِك وَلما بعث مُعَاوِيَة فِي شَأْن حجر بن عدى وَأَصْحَابه كَانَ الَّذِي جَاءَهُم أَعور يُقَال لَهُ هدبه وَكَانُوا ثَلَاثَة عشر رجلا مَعَ حجر فَنظر إِلَيْهِ رجل مِنْهُم فَقَالَ إِن صدق الفأل قتل نصفنا لِأَن الرَّسُول أَعور فَلَمَّا قتلوا سَبْعَة وافى رَسُول ثَان ينْهَى عَن قَتلهمْ فكفوا عَن البَاقِينَ وَقَالَ عوانه بن الحكم لما دَعَا ابْن الزبير إِلَى نَفسه قَامَ عبد الله بن مُطِيع ليبايع فَقبض عبد الله بن الزبير يَده وَقَالَ لِعبيد الله بن أبي طَالب قُم فَبَايع فَقَالَ عبد الله قُم يَا مُصعب فَبَايع فَقَامَ فَبَايع فتفاءل النَّاس وَقَالُوا أبي أَن يُبَايع ابْن مُطِيع وَبَايع مصعبا لَيَكُونن فِي أمره صعوبة أَو شَرّ فَكَانَ كَذَلِك وَقَالَ سَلمَة بن محَارب نزل الْحجَّاج فِي محاربته لِابْنِ الْأَشْعَث دير قُرَّة وَنزل عبد الرَّحْمَن ابْن الْأَشْعَث دير الجماجم فَقَالَ الْحجَّاج اسْتَقر الْأَمر فِي يدى وتجمجم بِهِ أمره وَالله لأقتلنه وَقَالَ عَمْرو بن مَرْوَان الْكَلْبِيّ حَدثنِي مَرْوَان بن يسَار عَن سَلمَة مولى يزِيد بن الْوَلِيد قَالَ كنت مَعَ يزِيد بن الْوَلِيد بِنَاحِيَة القريتين قبل خُرُوجه على الْوَلِيد بن يزِيد وَنحن نتذاكر أمره إِذْ عرض لنا ذِئْب هُنَاكَ فَتَنَاول يزِيد قوسه فَرمى الذِّئْب فاصاب حلقه فَقَالَ قتلت الْوَلِيد وَرب الْكَعْبَة فَكَانَ كَمَا قَالَ