الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله

قال تعالى:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله

قال تعالى:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي

هذا المنتدي يخص /الدعوة إلي الله
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابه*البوابه*  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الياسق حكم الجاهلية القانون الوضعى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مدير المنتدي

ادارة المنتدى


 ادارة المنتدى
مدير المنتدي


عدد المساهمات : 339
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 30/11/2008
العمر : 59
الموقع : https://ashrfali.yoo7.com/

الياسق  حكم الجاهلية  القانون الوضعى Empty
مُساهمةموضوع: الياسق حكم الجاهلية القانون الوضعى   الياسق  حكم الجاهلية  القانون الوضعى Emptyالسبت ديسمبر 01, 2012 4:30 am

حكم الجاهلية

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

قال الإمام ابن كثير([1]):

"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء العادل في كل شيء"اهـ.

قال الشيخ([2]):

"والسياسة نوعان: سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الأحكام الشرعية، علمها من علمها، وجهلها من جهلها".

والنوع الآخر: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وليس ما يقوله أهل زماننا في شيء من هذا. وإنما هي كلمة مغلية، أصلها: ياسة، فحرفها أهل مصر، وزادوا بأولها سيناً فقالوا: سياسة، وأدخلوا عليها الألف واللام، فظن من لا علم عنده أنها كلمة عربية! وما الأمر فيها إلا ما قلت؛ واسمع الآن كيف نشأت هذه الكلمة حتى انتشرت بمصر والشام. وذلك أن جنكز خان القائم بدولة التتر في بلاد الشرق، لما غلب الملك أونك خان وصارت له دولة –قرر قواعد وعقوبات، أثبتها في كتاب سماه: ياسة، ومن الناس من يسميه: يسق، والأصل في اسمه: ياسة، ولما تمم وضعه كتب ذلك نقشاً في صفائح الفولاذ، وجعله شريعة لقومه، فالتزموه بعده، حتى قطع الله دابرهم. وكان جنكز خان لا يتدين بشيء من أديان أهل الأرض –كما تعرف هذا إن كنت أشرفت على أخباره –فصار الياسة حكماً بتاً في أعقابه، لا يخرجون عن شيء من حكمه –ثم قال([3]) في ص(359) بعد ذكر أمثلة من سخافات هذه الياسه: "وجعل حكم الياسه لولده جقتاي بن جنكز خان، فلما مات التزم من بعده أولاده وأتباعهم حكم الياسة، كالتزام أول المسلمين حكم القرآن، وجعلوا ذلك ديناً لم يعرف عن أحد منهم مخالفته بوجه".

* * *

قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]

قال الحافظ ابن كثير([4]):

"أي: ومن أعدل من الله في حكمه، لمن عقل عن الله شرعه وآمن به، وأيقن، وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء العادل في كل شيء"اهـ.

قال الشيخ([5]):

"أقول: أفيجوز –مع هذا- في شرع الله أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة؟ بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟.

إن المسلمين لم يبلوا بهذا قط –فيما نعلم من تاريخهم- إلا في ذلك العهد، عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام. ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا، بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم وبأن هذا الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه ولم يعلموه أبناءهم. فما أسرع ما زال أثره.

أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير –في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد، أشرنا إليه آنفاً: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام: أتى عليها الزمان سريعاً، فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بذاك "الياسق" الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر، هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين، ويفخرون بذلك آباءاً وأبناءاً، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا "الياسق العصري" ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم "رجعياً" و"جامدا"!!، إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة. بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقى في الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى "ياسقهم الجديد"، بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات، ويصرحون –ولا يستحيون- بأنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين!!.

أفيجوز إذن –مع هذا- لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد! أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا، واعتناقه واعتقاده والعمل به، عالماً كان الأب أو جاهلاً؟!.

أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا "الياسق العصري"، وأن يعمل به ويُعرض عن شريعته البينة؟! ما أظن أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويؤمن به جملة وتفصيلاً، ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتاباً محكماً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة رسوله الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال – ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة!

إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضحة وضوح الشمس، هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة. ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام –كائناً من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، و"كل امرئ حسيب نفسه" ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه غير موانين ولا مقصرين.

سيقول عني عبيد هذا "الياسق العصري" وناصروه، أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاؤا، فما عبأت يوماً ما بما يقال عني، ولكني قلت ما يجب أن أقول".

* * *

قال تعالى: (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [الأنعام: 114-117].

قال الشيخ([6]):

"هذه الآيات وما في معناها تدمغ بالبطلان نوع الحكم الذي يخدعون به الناس ويسمونه "الديمقراطية"، إذ هي حكم الأكثرية الموسومة بالضلال، هي حكم الدهماء والغوغاء".

* * *

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً، أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً، فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) [النساء: 59-65].

قال الشيخ([7]):

وها هي ذي الآيات في هذه السورة، من الآية: 59 إلى آخر الآية: 65 واضحة الدلالة، صريحة اللفظ، لا تحتاج إلى طول شرح، ولا تحتمل التلاعب بالتأويل. يأمرنا الله سبحانه فيها بطاعته وطاعة رسوله، وأولي الأمر منا، أي من المسلمين. ويأمرنا إذا تنازعنا في شيء واختلفنا أن نرده إلى حكم الله في كتابه وحكم رسوله في سنته. ويقول في ذلك: (إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ). فيرشدنا سبحانه وتعالى إلى أن طاعته وطاعة رسوله في شأن الناس كلهم، وفيما يعرض لهم من قضايا وخلاف ونزاع –شرط في الإيمان بالله واليوم الآخر. وكما قال الحافظ ابن كثير آنفاً –ص209-: "فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك- فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر".

ثم يرينا الله سبحانه حكمه في الذين يزعمون أنهم يؤمنون برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه، ثم يريدون (أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ)، فيحكم بأنهم منافقون، لأنهم إذا دُعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، صدوا عنه صدوداً، والنفاق شر أنواع الكفر.

ثم يعلمنا الله سبحانه وتعالى أنه لم يرسل الرسل عبثاً، وإنما أرسلهم ليطيعهم الناس بإذن الله.

ثم يُقْسِم ربنا تبارك وتعالى بنفسه الكريمة المقدسة: إن الناس لا يكونون مؤمنين حتى يحتكموا في شأنهم كله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى يرضوا بحكمه طائعين خاضعين، لا يجدون في حكمه حرجاً في أنفسهم، وحتى يُسَلِّموا في دخيلة قلوبهم، إلى حكم الله ورسوله تسليماً كاملاً، لا ينافقون به المؤمنين، ولا يخضعون في قبوله لقوة حاكم أو غيره، بل يرضون به مهما يلقوا في ذلك من مشقة أو مؤنة. وأنهم إن لم يفعلوا لم يكونوا مؤمنين قط، بل دخلوا في إعداد الكافرين والمنافقين.

فانظروا أيها المسلمون، في جميع البلاد الإسلامية، أو البلاد التي تنتسب للإسلام، في أقطار الأرض –إلى ما صنع بكم أعداؤكم المبشرون والمستعمرون: إذا ضربوا على المسلمين قوانين ضالة مدمرة للأخلاق والآداب والأديان، قوانين إفرنجية وثنية، لم تُبْن على شريعة ولا دين، بل بُنيت على قواعد وضعها رجل كافر وثني، أبى أن يؤمن برسول عصره –عيسى عليه السلام- وأصر على وثنيته، إلى ما كان من فسقه وفجوره وتهتكه!.

هذا هو جوستنيان، أبو القوانين وواضع أسسها فيما يزعمون، والذي لم يستح رجل من كبار رجالات مصر المنتسبين –ظلماً وزوراً- إلى الإسلام، أن يترجم قواعد ذاك الرجل الفاسق الوثني، ويسميها مدونة "جوستنيان"! سخرية وهُزءا بـ"مدونة مالك"، إحدى موسوعات الفقه الإسلامي المبني على الكتاب والسنة، والمنسوبة إلى إمام دار الهجرة.

فانظروا إلى مبلغ ذلك الرجل من السخف، بل من الوقاحة والاستهتار!

هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام السافروا العداوة، هي في حقيقتها دين آخر جعلوه ديناً للمسلمين بدلاً من دينهم النقي السامي، لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها.

حتى لقد تجري على الألسنة، والأقلام كثيرا كلمات "تقديس القانون" "قدسية القضاء" "حرمة المحكمة" وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصف بها الشريعة الإسلامية وآراء الفقهاء الإسلاميين.

بل هم حينئذ يصفونها بكلمات "الرجعية" "الجمود" الكهنوت" "شريعة الغاب" إلى أمثال ما ترى من المنكرات في الصحف والمجلات والكتب العصرية، التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين!

ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين ودراساتها كلمة "الفقه" و"الفقيه" و"التشريع" و"المُشرِّع"، وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها.

وينحدرون فيتجرؤون على الموازنة بين دين الإسلام وشريعته وبين دينهم المفترى الجديد!!

ثم نفوا شريعتهم الإسلامية عن كل شيء، وصرح كثير منهم في كثير من أحكامها القطعية الثبوت والدلالة بأنها لا تناسب هذا العصر، وأنها شرعت لقوم بدائيين غير متمدنين، فلا تصلح لهذا العصر الإفرنجي الوثني!! خصوصاً في الحدود المنصوصة في الكتاب والعقوبات الثابتة في السنة.

فترى الرجل المنتسب للإسلام، المتمسك به في ظاهر أمره، المشرب قلبه هذه القوانين الوثنية، يتعصب لها ما لا يتعصب لدينه. بل يجتهد ليتبرأ من العصبية للإسلام، خشية أن يُرمى بالجمود والرجعية! ثم هو يصلي كما يصلي المسلمون، ويصوم كما يصوم المسلمون، وقد يحج كما يحج المسلمون. فإذا ما انتصب لإقامة القانون، لبسه شيطان الدين الجديد، فقام له قومة الأسد يحمي عرينه، ونفى عن عقله كل ما عرف من دينه الأصلي! ورأى أن هذه القوانين ألصق بقلبه، وأقرب إلى نفسه!

هذا في المستمسك منهم بدين الإسلام، وهم الأقل. دع عنك أكثرهم.

وقد ربى لنا المستعمرون من هذا النوع طبقات، أرضعوهم لبان هذه القوانين، حتى صار منهم فئات عالية الثقافة، واسعة المعرفة، في هذا اللون من الدين الجديد، الذي نسخوا به شريعتهم. ونبغت فيهم نوابغ يفخرون بها على رجال القانون في أوربا، فصار للمسلمين من أئمة الكفر، ما لم يُبتَل به الإسلام في أي دور من أدوار الجهل بالدين في بعض العصور.

وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها سواء منها ما وافق في بعض أحكامه شيئاً من أحكامه الشريعة وما خالفها. وكله باطل وخروج، لأن ما وافق الشريعة إنما وافقها مصادفة، لا اتباعاً لها، ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله. فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمأة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار. لا يجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى به.

وقد نزيد هذا المعنى بياناً، عند كلام الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: 50 من سورة المائدة، إن شاء الله.

قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 38-40]

* * *

قال الشيخ([8]):

"هذا حكم الله في السارق والسارقة، قاطع صريح اللفظ والمعنى، لا يحتمل أي شك في الثبوت ولا في الدلالة، وهذا حكم رسول الله تنفيذاً لحكم الله وطاعة لأمره، في الرجاء والنساء: قطع اليد، لا شك فيه، حتى ليقول صلى الله عليه وسلم: بأبي هو وأمي-: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

فانظروا إلى ما فعل بنا أعداؤنا المبشرون المستعمرون! لعبوا بديننا، وضربوا علينا قوانين وثنية ملعونة مجرمة، نسخوا بها حكم الله وحكم رسوله، ثم ربوا فينا ناساً ينتسبون إلينا، أشربوهم في قلوبهم بغض هذا الحكم، ووضعوا على ألسنتهم كلمة الكفر: أن هذا حكم قاس لا يناسب هذا العصر الماجن، عصر المدنية المتهتكة! وجعلوا هذا الحكم موضع سخريتهم وتندرهم! فكان عن هذا أن امتلأت السجون –في بلادنا وحدها- بمئات الألوف من اللصوص، بما وضعوا في القوانين من عقوبات للسرقة ليست برادعة، ولن تكون أبداً رادعة، ولن تكون أبداً علاجاً لهذا الداء المستشري.

ثم أدخلوا في عقول الطبقة المثقفة، وخاصة القائمين على هذه القوانين الوثنية –ما يسمونه "علم النفس". وهو ليس بعلم ولا شبيه به، بل هو أهواء متناقضة متباينة. لكل إمام من أئمة الكفر في هذا العلم رأي ينقض رأي مخالفه. ثم جاؤوا في التطبيق يلتمسون الأعذار من "علم النفس" لكل لص بحسبه، ثم زاد الأمر شراً أن يكتب اللصوص أنفسهم كلاماً يلتمسون به الأعذار لجرمهم، وقام المدافعون عنهم المقامات التي توردهم النار: يعلمون أن الجريمة ثابتة، فلا يحاولون إنكارها، بل يحاولون التهوين من شأنها، بدراسة نفسية المجرم وظروفه!!.

ولقد جادلت منهم رجالاً كثيراً من أساطينهم، فليس عندهم إلا أن حكم القرآن في هذا لا يناسب هذا العصر!! وأن المجرم إن هو إلا مريض يجب علاجه لا عقابه. ثم ينسبون قول الله سبحانه في هذا الحكم بعينه: (جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ)، فالله سبحانه -وهو خالق الخلق، وهو أعلم بهم، وهو العزيز الحكيم- يجعل هذه العقوبة للتنكيل بالسارقين، نصاً قاطعاً صريحاً، فأين يذهب هؤلاء الناس؟!.

هذه المسألة: -عندنا نحن المسلمين- هي من صميم العقيدة، ومن صميم الإيمان، فهؤلاء المنتسبون للإسلام، المنكرون حد القطع، أو الراغبون عنه –سنسألهم: أتؤمنون بالله وبأنه خلق هذا الخلق؟ فسيقولون: نعم، أفتؤمنون بأنه يعلم ما كان وما يكون، وبأنه أعلم يخلقه من أنفسهم وبما يصلحهم وما يضرهم؟ فسيقولون: نعم، أفتؤمنون بأنه أرسل رسوله محمداً بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه هذا القرآن من لدنه هدى للناس وإصلاحاً في دينهم ودنياهم؟ فسيقولون: نعم، أفتؤمنون بأن هذه الآية بعينها (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) من القرآن؟ فسيقولون: نعم، أفتؤمنون بأن تشريع الله قائم ملزم للناس في كل زمان وفي كل مكان، وفي كل حال؟ فسيقولون: نعم، إذن فأنى تصرفون؟!، وعلى أي شرع تقومون؟! أما من أجاب –ممن ينتسب للإسلام- على أي سؤال من هذه السؤالات بأن: لا، فقد فرغنا منه وعرفنا مصيره، وقد أيقن كل مسلم، من عالم أو جاهل، مثقف أو أمي-: أن من يقول في شيء من هذا "لا" فقد خرج من الإسلام، فلن نجادلهم في هذا، ولن نسايرهم في الحديث عنه، إذ لم يؤمنوا بمثل ما آمنا، ولن يرضوا عنا أبداً إلا أن نقول مثل قولهم! وعياذاً بالله من ذلك.

ولو عقل هؤلاء الناس –الذي ينتسبون للإسلام- لعلموا أن بضعة أيد من أيدي السارقين لو قطعت كل عام، لنجت البلاد من سبة اللصوص، ولما وقع كل عام إلا بضع سرقات، كالشيء النادر، ولخلت السجون من مئات الألوف التي تجعل السجون مدارس حقيقية للتفنن في الجرائم لو عقلوا لفعلوا، ولكنهم يصرون على باطلهم، ليرضى عنهم سادتهم ومعلموهم! وهيهات!!".

* * *

قال الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44].

قال الحافظ ابن كثير([9]):

"... سُئل ابن عباس عن قوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم...) الآية؟ قال: "هي به كفر"، قال ابن طاوس: وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقال عطاء: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق. رواه ابن جرير، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه. ورواه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

قال الشيخ([10]):

"وهذه الآثار –عن ابن عباس وغيره- مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا، من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرآء على الدين: يجعلونها عذراً أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام.

وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه، فيما كان يصنع بعض الأمراء من الجور، فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة، عمداً إلى الهوى، أو جهلاً بالحكم، والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر، فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء، ليكون ذلك عذراً لهم فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف، وهذا الأثران رواهما الطبري: 12025، 12026؛ وكتب عليهما أخي السيد محمود محمد شاكر تعليقاً نفيساً جداً، قوياً صريحاً، فرأيت أن أثبت هنا نص أولى روايتي الطبري، ثم تعليق أخي على الروايتين.

فروى الطبري: 12025، عن عمران بن حدير قال: "أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس، فقالوا: يا أبا مجلز، أريت قول الله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) أحق هو؟ قال نعم، قالوا: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أحق هو؟ قال نعم، قالوا: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، أحق هو؟ قال نعم، قال: فقالوا: يا أبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون، وإليه يدعون، فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً، فقالوا: لا والله، ولكنك تَفْرق! قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم ترون هذا، ولا تحرّجون! ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك، أو نحواً من هذا".

ثم روى الطبري: 12026، نحو معناه وإسناداه صحيحان، فكتب أخي السيد محمود محمد شاكر بمناسبة هذين الأثرين ما نصه([11]):

"اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة. وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام. فلما وقف على هذين الخبرين، اتخذهما رأياً يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها، والعامل عليها.

والناظر في هذين الخبرين لا محيص له عن معرفة السائل والمسؤول، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة، وكان يحب علياً –رضي الله عنه- وكان قوم أبي مجلز وهو بنو شيبان، من شيعة علي يوم الجمل وصفين، فلما كان أمر الحكمين يوم صفين، واعتزلت الخوارج، كان فيمن خرج على علي –رضي الله عنه-، طائفة من بني شيبان، ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل، وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز، ناس من بني عمرو بن سدوس (كما في الأثر: 12025)، وهم نفر من الإباضية (كما في الأثر 12026)، والإباضية من جماعة الخوارج الحرورية، وهم أصحاب عبد الله بن إباض التميمي، وهم يقولون بمقالة سائر الخوارج في التحكيم، وفي تكفير علي رضي الله عنه –إذ حكم الحكمين، وأن علياً لم يحكم بما أنزل الله في أمر التحكيم، ثم إن عبد الله بن إباض قال: إن من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك، فخالف أصحابه، وأقام الخوارج على أن أحكام المشركين تجري على من خالفهم.

ثم افترقت الإباضية بعد عبد الله بن إباض الإمام افتراقاً لا ندري معه –في أمر هذين الخبرين- من أي الفرق كان هؤلاء السائلون، بيد أن الإباضية كلها تقول: إن دور مخالفيهم دور توحيد، إلا معسكر السلطان فإنه دور كفر عندهم، ثم قالوا أيضاً: إن جميع ما افترض الله سبحانه وتعالى على خلقه إيمان، وأن كل كبيرة فهي كفر نعمة، لا كفر شرك، وأن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون أبداً. ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية، إنما كانوا يريدون أن يلزموه في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلطان ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه. ولذلك قال لهم في الخبر الأول (رقم: 12025): "فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً" وقال لهم في الخبر الثاني: "إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب" وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه. والذي نحن فيه اليوم، هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع، على أحكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل وأسباب انقضت، فسقطت الأحكام كلها بانقضائها، فأين هذا مما بيناه من حديث أبي مجلز والنفر من الإباضية من بني عمرو بن سدوس!!.

ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة، فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكم حكما وجعله شريعة، ملزمة للقضاء بها، هذه واحدة، وأخرى: أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة. وإما إن يكون حكم بها هوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة، وتلحقه المغفرة، وإما أن يكون حكم به متأولاً حكما خالف به سائر العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أن يكون كان في زمن أبي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر، جاحداً لحكم من أحكام الشريعة، أو مؤثراًَ لأحكام أهل الكفر على أحكام أهل الإسلام، فلذلك لم يكن قط، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه.

فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان، أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله: أن يستتاب، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله، ورضي بتبديل الأحكام "فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين. وكتبه محمود محمد شاكر".

* * *

قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). [المائدة:45].

قال الإمام ابن كثير([12]):

"قال ابن عباس: تقتل النفس بالنفس، وتقفأ العين بالعين، وتقطع الأنف بالأنف، وتنزع السن بالسن، وتقتص الجراح بالجراح، فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم، إذا كان عمداً في النفس وما دون النفس، ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم إذا كان عمداً في النفس وما دون النفس..."اهـ.

قال الشيخ([13]):

"هذا التشريع الثابت بنص القرآن الكريم، والذي أخبرنا الله سبحانه في هذه الآية أنه ثابت في التوراة –جعله الإفرنج الكفرة الفجرة مما يتندرون به في أقوالهم وكتاباتهم، يسمونه "شريعة الغاب"!! عن كفرهم بالأديان، وإنكارهم للشرائع السماوية، حتى سارت هذه الكلمة المنكرة مثلاً، ثم يقلدهم الملحدون من المنتسبين للإسلام، والجاهلون من المسلمين، لا يدرون أنهم بذلك طعنوا في التشريع الإلهي الثابت في الأديان الثلاثة السماوية!.

فليحذر المسلمون مواطن الزلق، وليصونوا ألسنتهم وأقلامهم، أما الملحدون فهم الملحدون".

* * *







--------------------------------------------------------------------------------

([1]) تفسير ابن كثير (2/68).

([2]) عمدة التفسير (4/172).

([3]) القائل هو المقريزي في "خططه" (3/359).

([4]) تفسير ابن كثير (2/68).

([5]) عمدة التفسير (4/ 173-174).

([6]) عمدة التفسير (5/89).

([7]) عمدة التفاسير (3/213).

([8]) عمدة التفسير (4/ 146-147).

([9]) تفسير ابن كثير (2/62).

([10]) عمدة التفسير (4/ 156-158).

([11]) تفسير الطبري (10/348).

([12]) تفسير ابن كثير (2/63).

([13]) عمدة التفسير (4/160).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ashrfali.yoo7.com
 
الياسق حكم الجاهلية القانون الوضعى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مسائل الجاهلية التى خالف فيها رسول الله أهل الشرك

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي :: الدرس اليومى-
انتقل الى: