الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله

قال تعالى:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله

قال تعالى:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي

هذا المنتدي يخص /الدعوة إلي الله
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابه*البوابه*  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 تفسير سورة الشرح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مدير المنتدي

ادارة المنتدى


 ادارة المنتدى
مدير المنتدي


عدد المساهمات : 339
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 30/11/2008
العمر : 59
الموقع : https://ashrfali.yoo7.com/

تفسير سورة الشرح Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الشرح   تفسير سورة الشرح Emptyالأحد مارس 02, 2014 10:55 am

ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك .

استفهام تقريري على النفي . والمقصود التقرير على إثبات المنفي كما تقدم غير مرة . وهذا التقرير مقصود به التذكير لأجل أن يراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قوم يريد صلاحهم وإنقاذهم من النار ورفع شأنهم بين الأمم ، ليدوم على دعوته العظيمة نشيطا غير ذي أسف ولا كمد .

والشرح حقيقته : فصل أجزاء اللحم بعضها عن بعض ، ومنه الشريحة للقطعة من اللحم ، والتشريح في الطب ، ويطلق على انفعال النفس بالرضى بالحال المتلبس بها . وظاهر كلام الأساس أن هذا إطلاق حقيقي . ولعله راعى كثرة الاستعمال ، أي : هو من المجاز الذي يساوي الحقيقة ; لأن الظاهر أن الشرح الحقيقي خاص بشرح اللحم ، وأن إطلاق الشرح على رضى النفس بالحال أصله استعارة ناشئة عن إطلاق لفظ الضيق وما تصرف منه على الإحساس بالحزن والكمد ، قال تعالى : ( وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز ) الآية . فجعل إزالة ما في النفس من حزن مثل شرح اللحم وهذا الأنسب بقوله : ( فإن مع العسر يسرا ) .

وتقدم قوله : ( قال رب اشرح لي صدري ) في سورة طه .

فالصدر مراد به الإحساس الباطني الجامع لمعنى العقل والإدراك . وشرح صدره كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات وإعلامه برضى الله عنه وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر .

هذا تفسير الآية بما يفيده نظمها واستقلالها عن المرويات الخارجية ، ففسرها ابن عباس بأن الله شرح قلبه بالإسلام ، وعن الحسن قال : شرح صدره أن ملئ علما وحكما ، وقال سهل بن عبد الله التستري : شرح صدره بنور الرسالة . [ ص: 409 ] وعلى هذا الوجه حمله كثير من المفسرين ونسبه ابن عطية إلى الجمهور .

ويجوز أن يجعل الشرح شرحا بدنيا . وروي عن ابن عباس أنه فسر به وهو ظاهر صنيع الترمذي ، إذ أخرج حديث شق الصدر الشريف في تفسير هذه السورة ، فتكون الآية إشارة إلى مرويات في شق صدره - صلى الله عليه وسلم - شقا قدسيا ، وهو المروي بعض خبره في الصحيحين ، والمروي مطولا في السيرة والمسانيد ، فوقع في بعض الروايات في الصحيحين أنه كان في رؤيا النوم ورؤيا الأنبياء وحي ، وفي بعضها أنه كان يقظة ، وهو ظاهر ما في البخاري ، وفي صحيح مسلم أنه يقظة وبمرأى من غلمان أترابه ، وفي حديث مسلم عن أنس بن مالك أنه قال : رأيت أثر الشق في جلد صدر النبيء صلى الله عليه وسلم . وفي بعض الروايات أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - كان بين النائم واليقظان ، والروايات مختلفة في زمانه ومكانه مع اتفاقها على أنه كان بمكة . واختلاف الروايات حمل بعض أهل العلم على القول بأن شق صدره الشريف تكرر مرتين إلى أربع ، منها حين كان عند حليمة . وفي حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل أن الشق كان وعمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين .

والذي في الصحيح عن أبي ذر أنه كان عند المعراج به إلى السماء ، ولعل بعضها كان رؤيا وبعضها حسا . وليس في شيء من هذه الأخبار على اختلاف مراتبها ما يدل على أنه الشرح المراد في الآية ، وإذ قد كان ذلك الشق معجزة خارقة للعادة يجوز أن يكون مرادا ، وهو ما نحاه أبو بكر بن العربي في الأحكام ، وعليه يكون الصدر قد أطلق على حقيقته وهو الباطن الحاوي للقلب ، ومن العلماء من فسر الصدر بالقلب ، حكاه عياض في الشفا ، يشير إلى ما جاء في خبر شق الصدر من إخراج قلبه وإزالة مقر الوسوسة منه ، وكلا المعنيين للشرح يفيد أنه إيقاع معنى عظيم لنفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - إما مباشرة وإما باعتبار مغزاه كما لا يخفى .

واللام في قوله : ( لك ) لام التعليل ، وهو يفيد تكريما للنبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن الله فعل ذلك لأجله .

وفي ذكر الجار والمجرور قبل ذكر المشروح سلوك طريقة الإبهام للتشويق فإنه لما ذكر فعل ( نشرح ) علم السامع أن ثم مشروحا ، فلما وقع قوله ( لك ) قوي الإبهام فزاد التشويق ; لأن ( لك ) يفيد معنى : شيئا لأجلك ، فلما وقع بعده قوله : [ ص: 410 ] ( صدرك ) تعين المشروح المترقب فتمكن في الذهن كمال تمكن ، وهذا ما أشار إليه في الكشاف وقفى عليه صاحب المفتاح في مبحث الإطناب .

والوزر : الحرج ، ووضعه : حطه عن حامله ، والكلام تمثيل لحال إزالة الشدائد والكروب بحال من يحط ثقلا عن حامله ليريحه من عناء الثقل .

والمعنى : أن الله أزال عنه كل ما كان يتحرج منه من عادات أهل الجاهلية التي لا تلائم ما فطر الله عليه نفسه من الزكاء والسمو ، ولا يجد بدا من مسايرتهم عليه ، فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة ، وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسره الله عليه بقوله : ( سنقرئك فلا تنسى ) إلى قوله : ( ونيسرك لليسرى ) .

و ( أنقض ) : جعل الشيء ذا نقيض ، والنقيض : صوت صرير المحمل والرحل ، وصوت عظام المفاصل ، وفرقعة الأصابع ، وفعله القاصر من باب نصر ويعدى بالهمزة .

وإسناد ( أنقض ) إلى الوزر مجاز عقلي ، وتعديته إلى الظهر تبع لتشبيه المشقة بالحمل ، فالتركيب تمثيل لمتجشم المشاق الشديدة بالحمولة المثقلة بالإجمال تثقيلا شديدا حتى يسمع لعظام ظهرها فرقعة وصرير ، وهو تمثيل بديع لأنه تشبيه مركب قابل لتفريق التشبيه على أجزائه .

ووصف الوزر بهذا الوصف تكميل للتمثيل بأنه وزر عظيم .

واعلم أن في قوله : ( أنقض ظهرك ) اتصال حرفي الضاد والظاء وهما متقاربا المخرج ، فربما يحصل من النطق بهما شيء من الثقل على اللسان ولكنه لا ينافي الفصاحة ، إذ لا يبلغ مبلغ ما يسمى بتنافر الكلمات ، بل مثله مغتفر في كلام الفصحاء . والعرب فصحاء الألسن فإذا اقتضى نظم الكلام ورود مثل هذين الحرفين المتقاربين لم يعبأ البليغ بما يعرض عند اجتماعهما من بعض الثقل ، ومثل ذلك قوله تعالى : ( وسبحه ) في اجتماع الحاء مع الهاء ، وذلك حيث لا يصح الإدغام . وقد أوصى علماء التجويد بإظهار الضاد مع الظاء إذا تلاقيا كما في هذه الآية وقوله : ( ويوم يعض الظالم ) ولها نظائر في القرآن .

[ ص: 411 ] وهذه الآية هي المشتهرة ولم يزل الأيمة في المساجد يتوخون الحذر من إبدال أحد هذين الحرفين بالآخر للخلاف الواقع بين الفقهاء في بطلان صلاة اللحان ومن لا يحسن القراءة مطلقا ، أو إذا كان عامدا إذا كان فذا ، وفي بطلان صلاة من خلفه أيضا إذا كان اللاحن إماما .

ورفع الذكر : جعل ذكره بين الناس بصفات الكمال ، وذلك بما نزل من القرآن ثناء عليه وكرامة ، وبإلهام الناس التحدث بما جبله الله عليه من المحامد منذ نشأته .

وعطف ( ووضعنا ) ، ( ورفعنا ) بصيغة المضي على فعل ( نشرح ) بصيغة المضارع ; لأن ( لم ) قلبت زمن الحال إلى المضي فعطف عليه الفعلان بصيغة المضي لأنهما داخلان في حيز التقرير فلما لم يقترن بهما حرف ( لم ) صير بهما إلى ما تفيده ( لم ) من معنى المضي .

والآية تشير إلى أحوال كان النبيء - صلى الله عليه وسلم - في حرج منها أو من شأنه أن يكون في حرج ، وأن الله كشف عنه ما به من حرج منها أو هيأ نفسه لعدم النوء بها .

وكان النبيء - صلى الله عليه وسلم - يعلمها كما أشعر به إجمالها في الاستفهام التقريري المقتضي علم المقرر بما قرر عليه ، ولعل تفصيلها فيما سبق في سورة الضحى فلعلها كانت من أحوال كراهيته ما عليه أهل الجاهلية من نبذ توحيد الله ومن مساوي الأعمال .

وكان في حرج من كونه بينهم ولا يستطيع صرفهم عما هم فيه ، ولم يكن يترقب طريقا لأن يهديهم أو لم يصل إلى معرفة كنه الحق الذي يجب أن يكون قومه عليه ولم يطمع إلا في خويصة نفسه ، يود أن يجد لنفسه قبس نور يضيء له سبيل الحق مما كان باعثا له على التفكر والخلوة والالتجاء إلى الله ، فكان يتحنث في غار حراء ، فلما انتشله الله من تلك الوحلة بما أكرمه به من الوحي ، كان ذلك شرحا مما كان يضيق به صدره يومئذ ، فانجلى له النور وأمر بإنقاذ قومه ، وقد يظنهم طلاب حق وأزكياء نفوس ، فلما قابلوا إرشاده بالإعراض وملاطفته لهم بالامتعاض ، حدث في صدره ضيق آخر أشار إلى مثله قوله تعالى : ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) وذلك الذي لم يزل ينزل عليه في شأنه ربط جأشه بنحو قوله تعالى : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) فكلما نزل [ ص: 412 ] عليه وحي من هذا أكسبه شرحا لصدره ، وكان لحماية أبي طالب إياه وصده قريشا عن أذاه منفس عليه ، وأقوى مؤيد له لدعوته ينشرح له صدره . وكلما آمن أحد من الناس تزحزح بعض الضيق عن صدره ، وكانت شدة قريش على المؤمنين يضيق لها صدره ، فكلما خلص بعض المؤمنين من أذى قريش بنحو عتق الصديق بلالا وغيره ، وبما بشره الله من عاقبة النصر له وللمؤمنين تصريحا وتعريضا نحو قوله في السورة قبلها : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) فذلك من الشرح المراد هنا . وجماع القول في ذلك أن تجليات هذا الشرح عديدة وأنها سر بين الله تعالى وبين رسوله - صلى الله عليه وسلم - المخاطب بهذه الآية .

وأما وضع الوزر عنه فحاصل بأمرين : بهدايته إلى الحق التي أزالت حيرته بالتفكر في حال قومه ، وهو ما أشار إليه قوله تعالى : ( ووجدك ضالا فهدى ) ، وبكفايته مؤنة كلف عيشه التي قد تشغله عما هو فيه من الأنس بالفكرة في صلاح نفسه ، وهو ما أشار إليه قوله : ( ووجدك عائلا فأغنى ) .

ورفع الذكر مجاز في إلهام الناس لأن يذكروه بخير ، وذلك بإيجاد أسباب تلك السمعة حتى يتحدث بها الناس ، استعير الرفع لحسن الذكر ; لأن الرفع جعل الشيء عاليا لا تناله جميع الأيدي ولا تدوسه الأرجل ، فقد فطر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - على مكارم يعز وجود نوعها ولم يبلغ أحد شأو ما بلغه منها حتى لقب في قومه بالأمين . وقد قيل إن قوله تعالى : ( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ) مراد به النبيء صلى الله عليه وسلم .

ومن عظيم رفع ذكره أن اسمه مقترن باسم الله تعالى في كلمة الإسلام وهي كلمة الشهادة .

وروي هذا التفسير عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد الخدري عند ابن حبان وأبي يعلى ، قال السيوطي : وإسناده حسن ، وأخرجه عياض في الشفا بدون سند . والقول في ذكر كلمة ( لك ) مع ( ورفعنا ) كالقول في ذكر نظيرها مع قوله : ( ألم نشرح ) .

وإنما لم يذكر مع ( ووضعنا عنك وزرك ) للاستغناء بقوله : ( عنك ) فإنه في إفادة الإبهام ثم التفصيل مساو لكلمة ( لك ) [ ص: 413 ] وهي في إفادة العناية به تساوي كلمة ( لك ) ؛ لأن فعل الوضع المعدى إلى الوزر يدل على أن الوضع عنه فكانت زيادة ( عنك ) إطنابا يشير إلى أن ذلك عناية به نظير قوله ( لك ) الذي قبله ، فحصل بذكر ( عنك ) إيفاء إلى تعدية فعل ( وضعنا ) مع الإيفاء بحق الإبهام ثم البيان

فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا .

الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري هنا ، أي : إذا علمت هذا وتقرر ، تعلم أن اليسر مصاحب للعسر ، وإذ كان اليسر نقيض العسر كانت مصاحبة اليسر للعسر مقتضية نقض تأثير العسر ومبطلة لعمله ، فهو كناية رمزية عن إدراك العناية الإلهية به فيما سبق ، وتعريض بالوعد باستمرار ذلك في كل أحواله .

وسياق الكلام وعد للنبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن ييسر الله له المصاعب كلما عرضت له ، فاليسر لا يتخلف عن اللحاق بتلك المصاعب ، وذلك من خصائص كلمة ( مع ) الدالة على المصاحبة .

وكلمة ( مع ) هنا مستعملة في غير حقيقة معناها ; لأن العسر واليسر نقيضان فمقارنتهما معا مستحيلة ، فتعين أن المعية مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره ، بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية . وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى : ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) في سورة الطلاق .

فهذه الآية في عسر خاص يعرض للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وآية سورة الطلاق عامة ، وللبعدية فيها مراتب متفاوتة .

فالتعريف في " العسر " تعريف العهد ، أي : العسر الذي عهدته وعلمته ، وهو من قبيل ما يسميه نحاة الكوفة بأن ( أل ) فيه عوض عن المضاف إليه نحو قوله تعالى : ( فإن الجنة هي المأوى ) أي : فإن مع عسرك يسرا ، فتكون السورة كلها مقصورة على بيان كرامة النبيء - صلى الله عليه وسلم - عند ربه تعالى .

[ ص: 414 ] وعد الله تعالى نبيئه - صلى الله عليه وسلم - بأن الله جعل الأمور العسرة عليه يسرة له وهو ما سبق وعده له بقوله : ( ونيسرك لليسرى ) .

وحرف ( إن ) للاهتمام بالخبر .

وإنما لم يستغن بها عن الفاء كما يقول الشيخ عبد القاهر : ( إن ) تغني غناء فاء التسبب ; لأن الفاء هنا أريد بها الفصيحة مع التسبب فلو اقتصر على حرف ( إن ) لفات معنى الفصيحة .

وتنكير ( يسرا ) للتعظيم ، أي : مع العسر العارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر ، ويجوز أن يكون هذا وعدا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - ولأمته ; لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شئون دعوته للدين ولصالح المسلمين .

وروى ابن جرير عن يونس ومعمر عن الحسن عن النبيء أنه لما نزلت هذه الآية ( فإن مع العسر يسرا ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبشروا أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين " فاقتضى أن الآية غير خاصة بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - بل تعمه وأمته . وفي الموطأ " أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم ، فكتب إليه عمر : أما بعد : فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين " .

وروى ابن أبي حاتم والبزار في مسنده عن عائذ بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : " كان النبيء - صلى الله عليه وسلم - جالسا وحياله حجر ، فقال : لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه ، فأنزل الله عز وجل ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح ، قال ابن كثير : وقد قال أبو حاتم الرازي : في حديث عائذ بن شريح ضعف .

وروى ابن جرير مثله عن ابن مسعود موقوفا . ويجوز أن تكون جملة ( فإن مع العسر يسرا ) معترضة بين جملة ( ورفعنا لك ذكرك ) وجملة ( فإذا فرغت فانصب ) تنبيها على أن الله لطيف بعباده ، فقدر أن لا يخلو عسر من مخالطة يسر وأنه لولا ذلك لهلك الناس ، قال تعالى : ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ) .

[ ص: 415 ] وروي عن ابن عباس يقول الله تعالى : " خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين ، ولن يغلب عسر يسرين " اهـ .

والعسر : المشقة في تحصيل المرغوب والعمل المقصود .

واليسر ضده وهو : سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه .

وجملة ( إن مع العسر يسرا ) مؤكدة لجملة ( فإن مع العسر يسرا ) وفائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه ; لأنه خبر عجيب .

ومن المفسرين من جعل اليسر في الجملة الأولى يسر الدنيا ، وفي الجملة الثانية يسر الآخرة ، وأسلوب الكلام العربي لا يساعد عليه ; لأنه متمحض لكون الثانية تأكيدا .

هذا وقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - : " لن يغلب عسر يسرين " قد ارتبط لفظه ومعناه بهذه الآية . وصرح في بعض رواياته بأنه قرأ هذه الآية حينئذ ، وتضافر المفسرون على انتزاع ذلك منها فوجب التعرض لذلك ، وشاع بين أهل العلم أن ذلك مستفاد من تعريف كلمة العسر وإعادتها معرفة ومن تنكير كلمة يسر وإعادتها منكرة ، وقالوا : إن اللفظ النكرة إذا أعيد نكرة فالثاني غير الأول ، وإذا أعيد اللفظ معرفة فالثاني عين الأول ، كقوله تعالى : ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) .

وبناء كلامهم على قاعدة إعادة النكرة معرفة خطأ ; لأن تلك القاعدة في إعادة النكرة معرفة لا في إعادة المعرفة معرفة ، وهي خاصة بالتعريف بلام العهد دون لام الجنس ، وهي أيضا في إعادة اللفظ في جملة أخرى ، والذي في الآية ليس بإعادة لفظ في كلام ثان ، بل هي تكرير للجملة الأولى ، فلا ينبغي الالتفات إلى هذا المأخذ ، وقد أبطله من قبل أبو علي الحسين الجرجاني في كتاب النظم كما في [ ص: 416 ] معالم التنزيل . وأبطله صاحب الكشاف أيضا ، وجعل ابن هشام في مغني اللبيب تلك القاعدة خطأ .

والذي يظهر في تقرير معنى قوله " لن يغلب عسر يسرين " أن جملة ( إن مع العسر يسرا ) تأكيد لجملة ( فإن مع العسر يسرا ) . ومن المقرر أن المقصود من تأكيد الجملة في مثله هو تأكيد الحكم الذي تضمنه الخبر . ولا شك أن الحكم المستفاد من هذه الجملة هو ثبوت التحاق اليسر بالعسر عند حصوله ، فكان التأكيد مفيدا ترجيح أثر اليسر على أثر العسر ، وذلك الترجيح عبر عنه بصيغة التثنية في قوله " يسرين " فالتثنية هنا كناية رمزية عن التغلب والرجحان ، فإن التثنية قد يكنى بها عن التكرير المراد منه التكثير كما في قوله تعالى : ( ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ) أي : ارجع البصر كثيرا ; لأن البصر لا ينقلب حسيرا من رجعتين . ومن ذلك قول العرب : لبيك ، وسعديك ، ودواليك . والتكرير يستلزم قوة الشيء المكرر ، فكانت القوة لازم لازم التثنية ، وإذا تعددت اللوازم كانت الكناية رمزية .

وليس ذلك مستفادا من تعريف العسر باللام ولا من تنكير اليسر وإعادته منكرا

( فإذا فرغت فانصب .

تفريع على ما تقرر من التذكير باللطف والعناية ووعده بتيسير ما هو عسير عليه في طاعته التي أعظمها تبليغ الرسالة دون ملل ولا ضجر .

والفراغ : خلو باطن الظرف أو الإناء ; لأن شأنه أن يظرف فيه .

وفعل ( فرغ ) يفيد أن فاعله كان مملوءا بشيء ، وفراغ الإنسان مجاز في إتمامه ما شأنه أن يعمله .

ولم يذكر هنا متعلق ( فرغت ) ، وسياق الكلام يقتضي أنه لازم أعمال يعملها الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما أن مساق السورة في تيسير مصاعب الدعوة وما يحف بها ، فالمعنى : إذا أتممت عملا من مهام الأعمال فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته [ ص: 417 ] كلها بالأعمال العظيمة . ومن هنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قفوله من إحدى غزواته : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " ، فالمقصود بالأمر هو " فانصب " . وأما قوله : ( فإذا فرغت ) فتمهيد وإفادة لإيلاء العمل بعمل آخر في تقرير الدين ونفع الأمة . وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال . ومثله قول القائل : ما تأتيني من فلان صلة إلا أعقبتها أخرى .

واختلفت أقوال المفسرين من السلف في تعيين المفروغ منه ، وإنما هو اختلاف في الأمثلة ، فحذف المتعلق هنا لقصد العموم ، وهو عموم عرفي لنوع من الأعمال التي دل عليها السياق ليشمل كل متعلق عمله مما هو مهم كما علمت ، وهو أعلم بتقديم بعض الأعمال على بعض إذا لم يمكن اجتماع كثير منها بقدر الإمكان كما أقر الله بأداء الصلاة مع الشغل بالجهاد بقوله : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ) إلى قوله : ( كتابا موقوتا ) في سورة النساء .

وهذا الحكم ينسحب على كل عمل ممكن من أعماله الخاصة به ، مثل : قيام الليل ، والجهاد عند تقوي المسلمين ، وتدبير أمور الأمة .

وتقديم ( فإذا فرغت ) على ( فانصب ) للاهتمام بتعليق العمل بوقت الفراغ من غيره لتتعاقب الأعمال . وهذه الآية من جوامع الكلم القرآنية لما احتوت عليه من كثرة المعاني .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ashrfali.yoo7.com
 
تفسير سورة الشرح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة الطارق
» تفسير سورة الفاتحة تفسير بن القيم 3
» تفسير سورة الفاتحة 4
» تفسير سورة الفاتحة 2
» تفسير سورة الفاتحة 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشيخ أشرف علي عبد الموجود الداعية الإسلامي :: قسم تفسير القرآن العظيم-
انتقل الى: